Site icon IMLebanon

كتاب مفتوح إلى رئيس لجنة العلاقات الخارجيّة الأميركي

 

 

ساعدونا في تحرير لبنان

 

سعادة النائب،

 

تلقّيت قبل أيّام ومن خلال وسائل التّواصل الإجتماعي، نسخة عن الرّسالة التي تكرّمتم برفعها مع عدد من أعضاء الكونغرس، إلى معالي وزير الخارجيّة أنتوني بلينكن. لا يمكنني أن أجزم بصحّة هذه الرّسالة، لكنّي لا أخفي مدى سروري بها، فهي شكّلت تعبيراً بليغاً عن عمق الحضور اللّبناني في الضمير الأميركي. وقد توّجت هذه الرّسالة بتوقيعكم مع 25 عضواً من الكونغرس، بينهم أيضاً نائبكم في رئاسة لجنة العلاقات الخارجيّة في المجلس النّيابي، وكذلك رئيس اللّجنة الفرعيّة للشّرق الأوسط وشمال أفريقيا ومحاربة الإرهاب الكوني.

 

نبهتم في الرّسالة إلى الواقع المأسوي الرّاهن في لبنان، وأشرتم إلى دور “حزب الله” وغيره من الميليشيات المسلّحة والشّبكات الإجراميّة، إضافة إلى إيران وروسيا، محذرين من أنّهم يعملون على الإستفادة من تفتيت الدّولة والمجتمع اللّبناني لمصلحتهم الخاصّة. واعتبرتم أنّ دعم لبنان في هذا الظّرف الحرج، ليس واجباً إنسانيّاً وإقتصاديّاً فحسب، وإنّما له ضرورات أمنيّة، منعاً لهؤلاء اللّاعبين، من تقويض استقلاله وسيادته.

 

وقد طلبتم من الحكومة الأميركيّة، دعم القوى الأمنيّة اللّبنانيّة، ونبّهتم إلى واقع إنخفاض رواتب الجنود، والصّعوبات الإقتصاديّة التي يواجهونها، والذي قد يدفع بهم إلى الهرب من الجنديّة. الأمر الذي يؤدّي إلى تدهور وتفكّك هذه القوى، ويعزّز إحتمالات الصّراعات الأهليّة. كما حذّرتم من أنّ المجموعات المسلّحة مثل “حزب الله” والميليشيات الأخرى، والتي تهدّد إسرائيل والمنطقة الحدوديّة، حاضرة لغنم المكاسب بدلاً منهم.

 

شكراً لكم. صرختكم تنعش آمالنا. فشعبنا دفع الأثمان الغالية منذ عام 1969، نتيجة الصّراعات الإقليميّة والدوليّة القائمة حوله. أنا لن أتوقّف عند كلّ ذلك التّاريخ من المآسي والأحزان التي مررنا بها، لكنّني أرغب أن أقول لكم نيابة عن ملايين اللّبنانيين في لبنان والعالم، أنّ لبنان الغني، بل ربّما أغنى بلدان الشّرق الأوسط، الذي كان يعرف بسويسرا الشّرق، لم يصل إلى هذه الحالة إلّا نتيجة لتلك الصّراعات. نحن لا نريد أن نستمرّ ساحة للصّراعات، وإنّما نريد ان نعود جسراً ثقافيّاً وتربويّاً بين الغرب وهذا الشّرق. لقد لعبنا طويلاً هذا الدّور. فلبنان كان في هذا الشّرق المدرسة والجّامعة والمكتبة والمطبعة من مختلف النّظم التربويّة والثقافيّة في العالم. كان الملاذ لكلّ مضطهد، ولكلّ طالب حريّة. كان موئل الحريّات وقاعدة الإعلام الحرّ في المنطقة، وكذلك النّموذج الدّيموقراطي المميّز، حيث كانت تنشط فيه الأحزاب والجمعيّات من مختلف الألوان. نحن نريد أن نعود إلى تاريخنا كدولة رسالة للعيش المشترك والإحترام المتبادل بين الحضارات. نريد حيادنا عن تلك الصّراعات. ونحن نؤيّد دعوة غبطة البطريرك الكاردينال بشارة الراعي لإقرار حياد لبنان، ونرجوكم أن تدعموا ذلك مع القيادة السياسيّة في بلدكم.

 

لقد أفسح الصّراع القائم على أرضنا، إلى هيمنة قوى خارجيّة تمثلت حتى عام 2005 بالنّظام السّوري الديكتاتوري للرّئيس حافظ الأسد وابنه بشّار، ومن ثم بالنّظام الشّمولي الديني لنظام ولاية الفقيه في إيران من خلال حزبه في لبنان “حزب الله”. هم يملكون السّلاح والقوّة، ويسيطرون على كلّ مفاصل الدولة مع رئيس للجمهورية هو من صنعهم.. وقد أرعبوا القيادات، أو أغروها بالتّورية على فسادهم. نحن نعلم أنّه لن يمكن التخلّص من هذا الإرث المخيف المطبق على أعناقنا وعلى أعناق أهل المنطقة، إلّا إذا تدخّلت الأمم المتّحدة عسكريّاً بغية تنفيذ قراراتها في لبنان، وذلك من خلال تحويل قوّات الطّوارئ العاملة في جنوب لبنان إلى قوّة ردع لهذا الغرض. القرار 1701 لعام 2006، ينصّ على فرض القرارين 1559 و1680 لجهة نزع السّلاح من كلّ الميليشيات على الأرض اللبنانيّة، وبسط سيادة الدّولة على كلّ الأراضي اللبنانيّة. وهو يدعو إلى مساعدة لبنان على التّنفيذ الكامل لاتّفاق الطائف الذي يشكّل قاعدة التّسوية للمشاكل الداخليّة بين اللبنانيّين. كما أنّ هذا القرار أشار إلى اتّفاق الهدنة مع إسرائيل لعام 1949، الذي ما زال لبنان يلتزم به. وطلب من الأمم المتّحدة المساعدة على ترسيم الحدود البريّة بين لبنان وسوريا بما يسمح بتسوية موضوع مــزارع شبعا بين الجانبين.

 

إتّفاق الهدنة وحياد لبنان يشكّلان وفقا لما ورد في القرار 1701، أفضل حلّ طويل الأمد، يمنع أعمال العنف بين لبنان وإسرائيل إلى حين ينتصر السّلام في هذا الشّرق المعذّب.

 

نحن نتطلّع إلى أصدقائنا في الولايات المتّحدة، بغية عدم السّماح بأيّ شكل من الأشكال، لأيّ إتّفاق مع إيران بشأن المسألة النّوويّة، أن يقوّض سيادة واستقلال هذا البلد بالسماح لحزبها باستمرار وضع يده على لبنان.

 

سعادة النائب،

 

دعوتم في رسالتكم إلى أن تتخذ الولايات المتّحدة عدّة إجراءات عاجلة، منها قيادة مجموعة أصدقاء للبنان ذات التفكير المشابه وبينهم فرنسا، لتقديم مساعدات، وإعداد برامج إصلاحيّة بالتّعاون مع صندوق النقد الدّولي والبنك الدّولي، وذلك بغية ضمان استقرار لبنان إلى حين قيام حكومة قادرة على الإستجابة لحاجات المواطنين اللّبنانيّين. وطالبتم في هذا الإطار، بإتّخاذ تدابير صارمة لإستئصال الفساد وإصلاح الخلل الوظيفي للوزارات الحكوميّة، إضافة إلى إجراء تدقيق مالي شامل طال انتظاره في البنك المركزي.

 

وقد طلبتم أن تبذل الحكومة الأميركيّة جهوداً مع شركائها الدّوليّين، بغية تقديم مساعدات إنسانيّة مباشرة وفاعلة إلى الشّعب اللّبناني، لمواجهة المجاعة والإحتياجات الصحيّة والبطالة، ومساعدة الفئات الأكثر ضعفاً، وذلك مع التمسّك بالقوانين الأميركيّة، بما في ذلك إعتماد معايير التّدقيق والفرز للمستفيدين والمنظّمات المنفّذة للبرنامج.

 

باسم كل مواطن لبناني حرّ، أشكر لكم هذه المساعي. وأتمنى فعلاً ان يتمّ إنتقاء مجموعة من المنظّمات الإنسانيّة المحليّة القادرة على التّعاون معكم لهذا الغرض. نعم هذا الأمر حاجة ملحّة لتحرير اللّبناني من سطوة رجال المال والأحزاب والميليشيات التي ترهن حرّيته وكرامته مقابل لقمة عيشه.

 

وقد طالبتم أخيراً بتحقيق دولي ومستقلّ في تفجير مرفأ بيروت. فالتّحقيقات اللّبنانيّة لم تسفر حتّى الآن إلّا عن القليل، وغرقت بالفساد وسوء الإدارة. ودعوتم إلى أن تقود الولايات المتّحدة الدّعوة إلى تحقيق محايد بقيادة الأمم المتّحدة، على أن تستفيد من قدرات الدّول الأعضاء الرئيسية.

 

إننا إذ نرحب بكل صدق بهذا الطلب النّبيل، نتمنّى التّعاون مع الهيئات القضائيّة المستقلّة لإجراء التّحقيق. لقد أعادت الولايات المتّحدة حديثاً، مساهماتها في المحكمة الجنائيّة الدوليّة، ونرى أن تعاون هذه الهيئة القضائيّة مع خبراء الأمم المتّحدة، لا بدّ أن يؤدّي إلى العدالة للضّحايا، ولكلّ إنسان في العالم، هاله هذا التّفجير المريع في بيروت الذي يشكّل جريمة موصوفة ضدّ الإنسانيّة. نحن لا نوجه أصابع اتّهام ضدّ أحد لكنّنا نرجوكم ألّا تسمحوا بأن يكون لأيّ مسؤول عن هذه الجريمة حصانة أمام العدالة.