لأخذ العِلم فقط: لم يعد اللبنانيون، مثلما يراهم الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، معنيين فقط بتدبير شؤونهم وأحوالهم إزاء عدو مثل إسرائيل. بل صار مطلوباً منهم دحر الإرهاب (كله ودفعة واحدة) ونيابة عن كل العالم، وتعويم بشار الأسد والمساهمة في قتل الشعب السوري، والقتال في العراق، والدفاع عن الحوثيين في اليمن، والمساهمة بالافتراء على دولة البحرين، والتطاول الاستفزازي على أكثرية العرب والمسلمين، والتحريض الرخيص ضد المملكة العربية السعودية وشقيقاتها في الخليج العربي.. ومواجهة «مؤامرات» أميركا وأوروبا بالجملة، ثم حمل مصير «الأمة» كلها على الأكتاف والذهاب إلى آخر الدنيا إذا تطلّب الأمر ذلك، تماماً بتاتاً مثلما تفعل «الدول العظمى والجيوش العظمى»!
في محنة الخطاب، مِحَنْ هذا الزمن.
وفي ذلك، أن الغلو صديق حميم للشطط، وهذان في صحبة أليفة مع التطرف. وتلك في مجملها عُصبة لا توصل سوى إلى ما وصلت إليه قبلاً قوى وأحزاب وتيارات وأنظمة ركبها الوهم وتحكّم فيها الهيجان القومي أو الديني أو المذهبي، ولم تنتج في محصّلة هيجانها سوى خراب أسطوري لها ولـ»أممها» وشعوبها، كما لغيرها سواء بسواء.
كأن الأمر صار مراساً مستداماً، ولم يعد جزءاً من عدّة التبليغ والتعبئة والتجييش فقط.. مراس داخ أصحابه بسكرة القوة ووطأة الحديد وسيولة النقد المالي وزئبقية السياسة وانتهازية الديبلوماسية و»تواطؤ» العدو المفترض، القريب مثل إسرائيل، والبعيد مثل «الشيطان الأميركي». وداخوا أكثر بنجاحهم في استثمار لحظة إرهاب غير مسبوق، يقوم به عدميون عبثيون، المجهول فيهم أكثر من المعلوم، يطمس كل ما عداه، ومن ضمن ذلك، ما فيهم وفي حلفهم أولاً وأساساً.
في تفاصيل المِحَنْ، محن كثيرة! يمر عليها خطاب «القوة العالمية العظمى» المعلن عنها حديثاً! كأنها مسلّمات إحياء ونمو وإعمار وإنتاج وحياة، سوى أن مرادفاتها اللغوية لا تخرج عن مدوّنات النصوص الأصولية الموازية والمستهدفة، ولو بحرف واحد!
وفي تلك المِحَنْ، إن نصرالله يعتبر أن في البحرين ثورة وفي سوريا إرهاب! وأن البحرينيين طلاب عدالة والسوريين عملاء صهاينة وإرهابيون من صغيرهم إلى كبيرهم! وإن ما فعله ويفعله بشار الأسد وحلفه الممانع بسوريا والسوريين لا يُعتبر شيئاً، ولا يُعتدّ به، مقارنة بـ»أهوال» و»فظاعات» السلطة في البحرين! وإن «التدخل» في الكلام والإعلام في سوريا يوازي التدخل القتالي النكبوي فيها!
وفي تلك المِحَنْ، إن قصة حماية لبنانيين في القصير، التي صارت لاحقاً حماية المقامات والمقدسات، التي صارت لاحقاً حماية خطوط «المقاومة»، التي صارت لاحقاً حماية النظام ومنع سقوطه… تلك القصة المتسلسلة فرّخت قصصاً أشمل أبرزها «حماية الإسلام المحمدي الأصيل»!.. ثم إشهار العداء السافر والتوعّد المبطّن لأهل الخليج العربي وأكثرية المسلمين، ثم دبّ الصوت جزعاً على «أحوال الأمة»!
.. في مكان ما من هذه النوبة الفظيعة، بُعدٌ داخلي إيراني! كأن السباق لا يزال جارياً وبهمّة كبيرة، بين جماعة الوصول إلى اتفاق على النووي مع الغرب وأميركا، وجماعة الوصول بالمشروع الإمبراطوري «الثوري» إلى «يوم القيامة»!
أمّا كم ستدفع المنطقة وشعوبها و»الأمة» بمجملها قبل حسم ذلك السباق، فبعض الجواب، في خطاب المِحَنْ ذاك!