في الخامس من آب من عام 2001، توجّه البطريرك الماروني (في حينه) الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير إلى منطقة الشوف حيث كان في إستقباله رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» النائب وليد جنبلاط ليُكرّسا معًا مُصالحة تاريخيّة بين المسيحيّين والدروز، بعد مرور 17 عامًا على ما عُرف بإسم «حرب الجبل» التي إنتهت بتهجير جَماعي لمسيحيّي الشوف وعاليه. وفي الذكرى 16 لهذه المناسبة، أقيم إحتفال في قصر «المير أمين» أثار حفيظة حزب «الكتائب اللبنانيّة» الذي إعتبر أنّ «الفيلم الوثائقي» بعنوان «ويبقى الجبل» والذي عُرض في المناسبة، غيّب دور «الكتائب» في المُصالحة التاريخيّة، الأمر الذي وافقه عليه حزب «الوطنيّين الأحرار» أيضًا. وجاءت هذه التطوّرات في الوقت الذي كان فيه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ينتقل إلى مقرّه الصيفي عبر بوّابة دير القمر حيث أقيم قدّاس إحتفالي بمناسبة «عيد سيّدة التلّة» على «نيّة مُصالحة الجبل»، ترأسه البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، مع تسجيل غياب النائب وليد جنبلاط بحجّة «وجع الراس»، الأمر الذي إعتبر رسالة حامية مُوجّهة من الحزب «الإشتراكي» إلى «التيار الوطني الحُرّ» دخل على خطّها حزب «القوات اللبنانيّة» الذي لم يُظهر أي حفاوة خاصة بالضيف الرئاسي، مع تسجيل بلبلة بشأن الإجراءات التي إتخذتها بلديّة «دير القمر» المحسوبة على «القوّات» في ما خصّ اللافتات التي رُفعت بُمناسبة زيارة رئيس الجمهوريّة. فما الذي يحصل؟
بحسب أوساط سياسيّة مُطلعة إنّ ذكرى «مُصالحة الجبل» شهدت العديد من «الزكزكات» السياسيّة المُتبادلة بين أكثر من طرف على خلفيّة المصالح الإنتخابيّة، وبطبيعة الحال على خلفيّة التحضيرات التي بدأ أكثر من طرف سياسي بإجرائها على أمل الفوز بأكبر عدد مُمكن من المقاعد في الدورة الإنتخابيّة النيابيّة المُقبلة المُفترض تنظيمها في أيّار من العام 2018. وأوضحت أنّ العتب المُتعدّد الأطراف على كل من حزبيّ «القوات اللبنانيّة» و«التقدمي الإشتراكي» تحت عناوين مُختلفة، وبحجّة ثغرات شابت تنظيم إحتفالات ذكرى «مُصالحة الجبل» والإستقبال الفاتر نسبيًا الذي حظي به الرئيس عون في الشوف، يعود في الأساس إلى تراكمات وخلافات سياسيّة مُتعدّدة، إنفجرت عند تيقّن مُختلف القوى السياسيّة حتميّة التحالف الإنتخابي بين «القوات» و«الإشتراكي» على حساب إستبعاد العديد من الشخصيّات السياسيّة والحزبيّة الأخرى، الأمر الذي لم يستسيغه «التيار الوطني الحُرّ» ولا كل من «الكتائب» و«الأحرار» ولا حتى «تيّار المُستقبل»، كونه يُشكّل مُحاولة لفرض «أمر واقع» إستباقي يُفترض بالجميع التأقلم معه، وبالتالي التعاطي مع لوائح الإنتخابات التي ستتظهّر إنطلاقًا منه في المُستقبل، إما عبر الإنضمام بحصّة مُحدّدة أو المنُافسة بلائحة مُقابلة.
ولفتت الأوساط السياسيّة إلى أنّ «التيّار الوطني الحُرّ» كان يُخطّط للدخول إنتخابيًا بقوّة إلى منطقة «الشوف وعاليه»، قبل أن تسبقه «القوات» إلى عقد تحالف مع «الإشتراكي» يقطع عليه الطريق لمثل هذه الخطوة، خاصة وأنّ «الإشتراكي» يُفضّل التعاون إنتخابيًا مع «القوّات» على التعاون مع «التيّار»، لأسباب عدّة تبدأ بأسلوب التعاطي السياسي للطرفين مع «الزعامة الجنبلاطيّة»، وتمرّ بالتموضع السياسي من الأمور الكبرى، ولا تنتهي عند الواقع الشعبي في «الجبل» حيث يتمتّع حزب «القوّات» بثقل شعبي كبير أثبت نفسه في الدورتين الإنتخابيّتين الأخيرتين سنتي 2005 و2009. وأضافت الأوساط نفسها أنّ حزبي «الكتائب» و«الأحرار» يخشيان بدورهما أن يأتي التحالف «القوّاتي – الإشتراكي» على حسابهما، بحيث يخسرا مقعدي النائبين دوري شمعون وفادي الهبر في الإنتخابات المُقبلة، بعد أن كانا يطمحان إلى رفع حصصهما الإنتخابيّة في المنطقة وليس إلى تقليصها. وتابعت الأوساط أنّ «تيّار المُستقبل» الذي يملك ثقلاً شعبيًا في إقليم الخرّوب لم يهضم مسألة إنطلاق تحضير الجزء الأكبر من اللوائح، ومُفاوضته للإلتحاق بهذا الركب، في مُقابل الحُصول على دعم أصوات «المُستقبل» في الشوف.
ورأت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّ ما يُسجّل من تراشق إعلامي عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وما صدر أخيرًا من مواقف إعلاميّة تحمل أكثر من رسالة إمتعاض، هو جزء صغير من التوتّر السائد بين القواعد الشعبيّة لمُختلف القوى السياسيّة، لاعتبارات مُرتبطة بنظرة مُختلفة وحتى مُتناقضة للأحجام الشعبيّة والسياسيّة لكل منها في المنطقة، والتي لا يُمكن أن تتظهّر بشكلها النهائي غير القابل للمُساومة، إلا عبر إنتخابات وفق مبدأ النسبيّة. وقالت إنّه حتى ذلك الحين فإنّ الأمور غير مُرشّحة لأن تهدأ، بل لأن تستعر كلّما إقتربنا من موعد الإنتخابات، وكلّما تبلورت الإصطفافات الإنتخابيّة النهائيّة.
لكنّ الأوساط السياسيّة المُطلعة لفتت إلى أنّ حزب «القوات» حريص على إبقاء التنافس السياسي المشروع تحت سقف العمل الديمقراطي الراقي، بعيدًا عن أي تشنّجات، وأضافت أنّ رئيس «القوات» يُولي خصوصًا إهتمامًا كبيرًا بالحفاظ على العلاقة السياسيّة المُستجدّة مع «التيار الوطني الحُرّ» على الرغم من تراكم المواضيع الخلافيّة بين الطرفين، بدءًا بعدم رضى «القوات» على ما يحصل من صفقات بعيدًا عن الآليّات الدستوريّة المعروفة على غرار ما حصل في ملفّ الكهرباء وصفقة البواخر مثلاً، مُرورًا بعدم رضاها عن أسلوب إجراء التعيينات بشكل يُشتمّ فيه روائح تقاسم للحُصص بين كبار أفرقاء الحُكم مع تسجيل تحجيم «القوات» بعكس الإتفاق الذي تمّ مع «التيار» عشيّة إنتخاب العماد عون رئيسًا للجُمهوريّة، وُصولاً إلى عودة المُناكفات الإعلامية – ولوّ بصورة جزئيّة وغير مباشرة، وكذلك تسجيل أكثر من تهجّم على «القوات» وأكثر من إستخفاف بحجمها الشعبي والسياسي. وتوقّعت الأوساط نفسها أن يتوجّه رئيس حزب «القوات» سمير جعجع إلى قصر بعبدا في المُستقبل القريب، في مُحاولة لإعادة ترتيب العلاقة بين «القوات» و«التيار الوطني الحُرّ» عبر طلب التدخّل المُباشر من قبل الرئيس عون، بعد فشل مُحاولات سابقة جرت مع رئيس «التيار» وزير الخارجيّة جبران باسيل.