Site icon IMLebanon

الشعب اللبناني على شفير “الجنون”…إنه عصر الـ”lexotanil”

 

سارا (30 عاماً)، رفضت أن تهاجر وتترك وطنها… لم تغرّها عروضات العمل الكثيرة التي فُتحت أمامها في الخارج، وقررت عدم الاستسلام… والبقاء. كانت مؤمنة بلبنان، بالغد، بالمستقبل… بلبنان الحلم. منذ عام تقريباً، شعرت بخلل ما أثر سلباً على نفسيتها، على الرغم من تفاؤلها.

في “17 تشرين”، مع بداية الثورة التقطت سارة أنفاسها قليلاً، وأملت خيراً… الى أن اشتدت الأزمة على كل المستويات، ما أشعل في داخلها حالة من الغضب والرفض وعدم الثقة بأي مكوّن لبناني، فرمت ورقة من نافذة سيارتها للمرة الأولى في حياتها، كانتقام من بلدها… وفي ساعات الليل، لم يغمض لها جفن لكثرة توترها، فهربت من حالتها بحبة “مهدئ”، فوصّف اختصاصي أمراض عصبية فعلها هذا بـ”عملية إنتحار!”.

 

قد يستخف كثيرون بحالة سارا، وقد لا يعتبرون طريقة تعبيرها عن غضبها مقلقة أو خطيرة. الّا أنّ من يعرف وطنية سارا ومدى احترامها لكل شبر من بلدها، يعرف الى أي مرحلة من اليأس وصلت اليها هذه المرأة. وفي طبيعة الحال، لكل لبناني طريقته في التصرف والتعبير، فالبعض يرمي ورقة في الشارع، أو يمتنع عن دفع فواتيره المستحقة، أو يصرخ بوجه موظف المصرف… والبعض الآخر، يهرب من هذا الواقع المأسوي من خلال الهجوم العشوائي على الأدوية المهدئة للأعصاب والمسكنات.

 

تجارة الأدوية المهدئة

 

جلنا على مجموعة من الصيدليات، حيث أجمع الصيادلة على زيادة الطلب على الأدوية المهدئة والمسكنات بشكل جنوني، ولا سيما بين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و45 عاماً، والنساء أكثر من الرجال. وقد يكون الـ” Lexotanil” و” Xanax” (للقلق والتوتر) اللذان يتطلب الحصول عليهما وصفة طبية رسمية لشرائهما وهما من أكثر الأدوية طلباً حالياً. وكما تجري الأمور في لبنان، فـ”بتظبط” بلا وصفة، حيث يمكن للصيدلي الاستفادة من وصفة طبية تحمل علاجاً لمدّة 3 أشهر (أي 3 علب دواء) من خلال اقناع المريض أنّ علبتين كافيتان، ولا داعي لإكمال الشهر الثالث. عندها، يقوم الصيدلي “التاجر” ببيع دواء الشهر المتبقي من الوصفة الى أي شخص آخر يطلب هذا الدواء، ويحاسبه على أساس ثمن ورقة الوصفة الطبية، بالاضافة الى ثمن الدواء. كما يمكن لبعض الصيادلة الحصول على الوصفات الطبية من الأطباء أصدقائهم، حيث يتقاسمون أرباح الوصفة الطبية، ويؤمنون متطلبات الزبائن، من دون أي حس بالمسؤولية. كذلك، وبالاضافة الى الدواءين الآنف ذكرهما، يسجل الـ”Cypralex” (للكآبة)، والذي لا يحتاج لوصفة طبية، نسب بيع مرتفعة جدّاً، ويمكن اعتباره الأكثر طلباً ومبيعاً، في الوقت الحالي.

 

 

 

اللبنانيون… ينتحرون!

 

الهروب الى الانكار خوفاً من مواجهة المخاوف الداخلية النفسية، فضلاً عن الظروف والضغوطات “اللبنانية”، حولت منى الى مدمنة على الأدوية المهدئة، ولا تتمكن من النوم من دون أن “ترخي أعصابها”، وترفض رفضاً قاطعاً استشارة اي طبيب مختص، فبحسبها “لا داعي لذلك، ولست بحاجة الى رأي الطبيب… نعيش أياماً أسوأ من فترة الحرب اللبنانية، وهذه الأدوية تؤمن لي راحة نفسية وجسدية”. يعلّق إختصاصي الدماغ والاعصاب الدكتور رامي الأتات، على حالة منى التي تشبه حال شريحة كبيرة من الشعب اللبناني قائلاً: “هذا الشعور هو تأثير نفسي للدواء المهدئ وليس عمل الدواء الفعلي. وما يفعله من يتناول الأدوية بشكل عشوائي، اقرب الى عملية الانتحار، فهذه الأدوية يتم وصفها كعلاج مع أدوية أخرى لفترة معينة وبجرعات محددة، ولكل شخص بحسب حالته (القلق، التوتر، الأرق، الكآبة، الوسواس القهري، أمراض عصبية اخرى…)”.

 

لا يستطيع أحد التشخيص ووصف العلاج المناسب للحالات العصبية، سوى طبيب الأعصاب والدماغ أو طبيب النفس، فالصيدلي، وطبيب الصحة العامة، وطبيب العائلة، غير مخولين لوصف الأدوية المهدئة والمسكنات، والأمر ليس بلعبة، فالآثار الجانبية والأضرار للتناول العشوائي لهذه الأدوية تكاد لا تحصى. ويقول د. الأتات “إنّ العوارض متنوعة، منها ما يؤثر على الجهاز العصبي، ومنها الآخر يضر بالكبد والقلب. بالاضافة الى امكانية الادمان على هذه الحبوب، عندما يعتاد جسم الشخص عليها. ولا أعرف لماذا يؤذون أنفسهم بهذه الطريقة، وكيف يمكن لشخص واعٍ أن يتناول المهدئات بنصيحة من صديق، والتوعية أساسية في هذا الاطار، وأكرر على الجميع أن يعرف أنّ لا علاج موحداً لكل الحالات، والدواء الذي يستفيد عليه شخص قد لا يسجل أي نتيجة ايجابية عند شخص آخر”.

 

لا توجد إحصاءات رسمية لنسبة اللبنانيين الذين يتناولون المهدئات، الّا أنّ ارقام البيع خيالية، ويصل مبيع أحد الأدوية شائعة الاستخدام في لبنان الى 120 ألف علبة سنوياً. كما تشهد عيادات أطباء الأعصاب، زيادة جدّية في عدد المرضى الذين يعانون من التوتر والقلق والأرق، ويكشف د. الأتات أنّ “أكثر من 40 في المئة من المرضى الذين يقصدونني يعانون من مشاكل عصبية نفسية، لسببين أساسيين: الضغط المادي والضغط العاطفي! وهذه الظاهرة خطيرة جدّاً على مستوى المجتمع، وتؤدي الى ارتفاع جرائم القتل والسرقة والانتحار والعنف الأسري، من هنا أهمية نيل التشخيص الدقيق والعلاج المناسب، وأنصح كل شخص يعاني من الأرق، قلة الإدراك، ضعف في التركيز، سرعة الانفعال، التوتر، القلق، الانعزال، عدم القدرة على تحمل الأشخاص، أذية النفس أو الآخر… التوجه عند الاختصاصي وعدم إهمال نفسه، وعدم الأخذ بنصيحة صديقه أو جاره بتناول أي نوع من الدواء عشوائياً”.

 

 

 

لا تهملوا صحتكم النفسية!

 

 

 

يؤثر المريض النفسي على محيطه وأهله وأصدقائه وزملائه في العمل، وكأنّ حالته “معدية” فينقل الطاقة السلبية لكل من يقابله، واذا كان طبيب الدماغ والأعصاب (neureulogue ) وطبيب علم النفس (Psychiatre) يصفان الأدوية المهدئة، فالدعم النفسي من قبل اختصاصي علم النفس (psychologue)، يلعب دوراً أساسياً لتحسين نوعية حياة المريض، وبحسب اختصاصية علم النفس الدكتور كارول سعادة “التحليل النفسي للشخص والعلاج المعرفي السلوكي لتغيير الأفكار، مهم جدّاً. ولا يمكن أن ننكر أنّ مجتمعنا يعاني من ترسّبات الحرب الأهلية والتي تظهر على شكل مشاكل نفسية، تحتد مع وجود ما يحفزها من مشاكل وضغوطات متنوعة، فتلجأ الغالبية للأسف، الى الأدوية المهدئة كحل سريع للشعور الذي يزعجهم، بدلاً من اللجوء الى العلاج النفسي باعتباره من الأمور الثانوية ولا سيما مع الوضع الاقتصادي السيئ، بالاضافة الى عدم وعي البعض على أهمية صحتهم النفسية. وأنصح جميع اللبنانيين بتغيير أسلوب حياتهم واتباع اسلوب صحي من ناحية الاكل، النوم، الرياضة، الاستماع إلى الموسقى، القيام بتمارين الاسترخاء لاخراج الطاقة السلبية والتخلص من الضغط النفسي، والابتعاد عن المهدئات التي تحمل الكثير من الآثار الجانبية على المستوى النفسي والجسدي، على حد سواء”.

 

أضرار جانبية لمهدّئات الأعصاب

 

تتضمّن الأضرار الجانبية قصيرة الأمد لاستخدام مهدّئات الأعصاب الصغرى ما يلي:

 

– الشّعور بالنعاس

 

-الشّعور بالدوخة

 

– ضبابية الرؤية أوعدم وضوحها

 

– ضعف الإدراك، إذ يواجه الشخص مشكلةً في التركيز أو التفكير

 

– ضعف ردود الفعل

 

– بطء التنفّس

 

– فقدان الشّعور بالألم

 

– بطء التحدّث، أو التلعثم

 

– قلة الإحساس بالألم

 

على المدى الطويل:

 

– فقدان الذاكرة

 

– الشّعور بعوارض الاكتئاب، مثل: الشعور بالتعب، أو اليأس، أو وجود الأفكار الانتحارية

 

– الإصابة بالقلق

 

– الإصابة بضعف الكبد أو فشله نتيجة تلف الأنسجة أو جرّاء تناول جرعة زائدة.

 

 

أضرار مضادات الاكتئاب

قد تُسبّب مضادات الاكتئاب آثاراً جانبية مزعجة مثل:

 

-الغثيان

 

– زيادة الشهية واكتساب الوزن

 

-الإرهاق والنعاس

 

– الأَرق

 

– جفاف الفم

 

– الإمساك

 

– الدوخة

 

– الهياج والاضطراب والقلق

 

– مشاكل في القدرة الجنسية

 

– مشاكل على متسوى القلب

 

– التبايُنات الجينية.