يبدو أن تحرك الرئيس سعد الحريري الرئاسي الجديد نجح في فرملة الاندفاعة الأخيرة للعونيين نحو الشارع، ممررا الاستحقاقات الواحد تلو الآخر.مرت جلسة الانتخاب ال45، مرر التمديد لقائد الجيش ومن بعده «تسوية» رئيس الاركان، وبعدها استحقاق 13 تشرين المؤجل الى الـ 16 منه، امام القصر الجمهوري، وبين كل ذلك حديث عن جلسة حكومية بنودها تعيينات يحضرها الجميع ويغيب عنها «التغيير والاصلاح».
حركة الحريري، على خط الازمة الرئاسية بمحطاتها المتنوعة، التي بقيت متصدرة واجهة الاحداث المحلية، قبل ان يغادر الاحد الى الخارج، دون ان يعرف ما اذا كان سيلتقي ولي ولي العهد السعودي، بعدما زار امس الرابية، فرملتها في اجواء عشاء بيت الوسط، الذي خيمت عليه مطالعة رئيس المخابرات السعودية امام وزير الصحة، والذي انتهى الى ثلاث خلاصات: استعداد بيك المختارة للسير بعون في حال وجود دعم اقليمي لقرار الحريري، و«تعهد» المختارة بالتوسط لدى عين التينة لتليين موقفها من موضوع السلة، و«تحذيره» الشيخ السعد من الاخذ بعين الاعتبار المناخ السني وعدم السير بعكسه لان ذلك قد يؤدي الى نتائج اخطر من تلك التي قد تتولد من الفراغ.
من جهتها تؤكد أوساط «لبنان اولاً» ان رئيس التيار الازرق يحاول إخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة، وهو لا يحمل حلا سحريا للانتخاب الا انه يحاول من خلال اتصالاته بلورة «صيغة ما» تضع حدا للشغور الذي لم يعد يتهدد الاستقرار الاقتصادي والأمني فحسب بل بات يشكل خطرا على كينونته ووجوده كدولة، نتيجة سقوط اتفاق الطائف والمناصفة كما الصيغة والنظام اللبنانيين، حيث يخشى من أن يؤدي استفحال الشغور مع حلول موعد الانتخابات النيابية الى فراغ تام يضعنا أمام حتمية عقد مؤتمر تأسيسي يعيد انشاء لبنان على أسس جديدة لا تأخذ في الاعتبار هذه المرة المناصفة المسيحية – الاسلامية، بل تستبدلها بمثالثة أو تعيد النظر في صلاحيات المناصب الاساسية في الدولة بما يناسب طرفا على حساب آخر، لافتة الى ان حرص «المستقبل» على إجراء الانتخابات الرئاسية تجلى في المبادرات الانقاذية العديدة التي طرحها منذ عامين ونصف العام وفي التنازلات التي قدمها، وهو ما انعكس سلبا على رصيد التيار لا سيما في البيئة السنية وتفتح المجال امام استمرار الاصوات «المزايِدة» في الارتفاع، الامر الذي قد يتهدد الخط المعتدل السني الذي يمثله «النهج الحريري».
اما العماد ميشال عون الذي عبر عن استيائه امام زواره من تعيين موعد الجلسة الـ 46 بعد شهر، قارئاً في الامر رسالة من الاستاذ تضع العصي في دواليب مساعي الحريري، وتمهد لنسف الاتصالات الجارية، لم يبادر جتى الساعة الى اجراء اي اتصال بمكونات الثامن من آذار، التي اعادت ذلك، بحسب مصادرها الى ان حزب الله ابلغ الرابية بوضوح انه لن يبادر الى فتح النقاش مع عين التينة قبل ان يتبنى بيت الوسط صراحة ترشيح الجنرال ، نتيجة التجارب السابقة مع الحريري، معتبرة ان هم الحزب الاول حاليا وقف الانهيارات على جبهتي عين التينة – الرابية، والرابية – بنشعي، بعدما نجح تحريك الحريري لمياه الرئاسة الراكدة في «الهاب «الجروح بين الاطراف المعنية، كاشفة ان شرطا جديدا بدأ تداوله في الكواليس عن ضرورة فك الرابية لتحالفها مع معراب، الذي انتج ورقة البنود العشرة وتقاسم «حصص» لا يمكن لتلك القوى ان تقبله، رغم ان القوات اللبنانية تنفي وجود اي اتفاق مع الرابية حول حصتها في العهد الجديد في حال وصول العماد عون الى الرابية.
غير ان الايجابية التي تظهرها الرابية تجاه الحريري لا تلغي تساؤلات كثيرة يتناقلها البعض عن تموضع سياسي جديد اتخذه التيار الوطني الحر، في ضوء تطورات الاستحقاق الرئاسي بعدما هاجم طويلا زعيم التيار الأزرق وخياراته السياسية، اذ ان حركة الحريري «حشرت» الجميع أمام توقيتٍ مباغت واتجاهٍ مفاجئ، لن يكون ممكناً معه لأي طرفٍ التفلّت من اتخاذ خيارات حاسمة، بعد استكشافها ما اذا كانت ثمة حيثيات إقليمية جدية لتغطية حركة الحريري.
اذا كان الشيطان يكمن عادة في التفاصيل فإنه في ملف الرئاسة يختبىء في السلة التي لا يعرف ماذا تتضمن، وما هو عدد البنود التي يفترض الاتفاق عليها قبل الافراج عن بعبدا الاسيرة، وان كانت تبدأ برئاسة الجمهورية لتصل الى صلب الموضوع، قانون الانتخاب الذي سيحدد هوية السلطة، حيث تفيد كل المعطيات المتجمعة بأن لا نتائج جدية ولا مسارات محددة بعد. فالاتفاق يجب ان يشمل الجميع ويجب ان يتضمن جملة تفاهمات تشكل المنطلق.
فهل تحديد نهاية الشهر المقبل سيسهم في تمرير ذكرى 13 تشرين الاول التي يستعد لها العونيون بالطريقة نفسها؟ وكيف سيكون سقف خطاب العماد عون وقتذاك؟