إذا كان تواجه اللوائح الإنتخابيّة المدعومة من قبل حزب «القوّات اللبنانيّة» من جهة و«حزب الله» من جهة أخرى طبيعيًا، بسبب الخلاف السياسي والعقائدي بين الطرفين، مع ما يُرافق هذا الأمر من حملات إعلامية غير مُباشرة، فإنّ الغريب أن تكون الحملات الإنتخابيّة المُتبادلة والمُباشرة في مكان آخر، وتحديدًا بين «القوّات» من جهة، وكلّ من «التيّار الوطني الحُرّ» و«تيّار المُستقبل» من جهة أخرى! فما الذي يحصل؟
مصادر سياسية مُطلعة لفتت إلى أنّ التحالف السياسي غير المُعلن بين كل من «الوطني الحُرّ» و«المُستقبل» منذ ما أطلق عليه إسم «التسوية الرئاسيّة» التي قضت بوصول العماد ميشال عون إلى منصب رئاسة الجُمهورية، وعودة النائب سعد الحريري إلى منصب رئاسة الحُكومة، قلب الكثير من المَوازين التي كانت قائمة في لبنان، قبل أن تأتي أزمة رئيس الحكومة في السعودية وأسلوب تعاطي الرئيس عون معها، لتُعزّز التفاهم بين الفريقين، ولتؤسّس لتعاون ثُنائي بعيد المدى قد ينسحب على كامل فترة العهد الرئاسي الحالي. وأضافت أنّ التفاهم السياسي المَكتوب والمُعلن بين «القوّات» و«الوطني الحُرّ» لم يُمهّد الطريق لأي تحالف إنتخابي ثُنائي يُذكر، بسبب طبيعة القانون الحالي التي لا تخدم أي فريقين سياسيّين قويّين إذا ما كانا يتقدّمان بمرشّحيهما على المقاعد نفسها. وتابعت أنّه بعكس ذلك، إنّ التعاون الإنتخابي بين فريقين سياسيّين قويّين لا يتنافسان على المقاعد عينها – كما هي الحال بين «الوطني الحُرّ» و«المُستقبل» في بعض الدوائر مثلاً، يُمكن أن يُفيد الطرفين لأنّه يرفع «الحاصل الإنتخابي» للائحتهما المُشتركة. وأشارت المصادر نفسها إلى أنّ هذا ما يُفسّر تعثّر التحالف بشكل كامل بين «القوّات» و«الوطني الحُرّ»، وقيامه في أكثر من دائرة بين هذا الأخير و«المُستقبل».
وكشفت مصادر مقربة من القوات أنّ ما أزعج «القوّات» هو قياس «تيّار المُستقبل» المعركة الإنتخابيّة النيابيّة من منظار إنتخابي ضيّق جدًا، بدل التعامل معها كمعركة سياسيّة ستنتهي بتحديد أحجام القوى السياسيّة المُختلفة في لبنان، وستُبنى على نتائجها تركيبة السُلطة السياسيّة المُقبلة بمختلف أشكالها ومواقعها، من السُلطة التشريعيّة، مُرورًا بالسُلطة التنفيذيّة، وُصولاً إلى التوجّه السياسي العام للدولة اللبنانيّة. وأضافت أنّ «القوّات» التي تفهّمت عدم التعاون معها من قبل «المُستقبل» في بعض الدوائر الإنتخابيّة لضرورات تكتيّة، إستغربت عدم مُسارعة «المُستقبل» إلى تركيب لوائح قويّة معها في الدوائر التي تنشط فيها قوى «8 آذار» وفي طليعتها «حزب الله»! ولفتت المصادر عينها إلى أنّ «القوّات» ترفض هذه المرّة أن يتمّ إستغلال أصوات مناصريها المُنتشرين في أغلبيّة المناطق المسيحيّة في لبنان، وحرمانها من حقّها بالمقاعد النيابيّة بما يعكس تمثيلها الشعبي الحقيقي. وأوضحت أنّ تمسّك «القوّات» بترشيحاتها ناتج من أنّ هذه الترشيحات تعكس برأيها، الحد الأدنى من حجمها الشعبي الفعلي، خاصة وأنّها لا تقضم من صحن أحد إذا جاز التعبير، حيث أنّ «القوّات» إكتفت بعدد إجمالي محدود من المُرشّحين، وحتى بترشيح واحد أو إثنين حسب الدائرة الإنتخابيّة، وذلك عن مقاعد مسيحية صرف.
وكشفت المصادر نفسها أنّ قيادة «القوّات» أعطت أخيرًا «الضوء الأخضر» لمسؤوليها وكادراتها بالردّ على أي تهجّم يستهدف «الحزب»، حتى لوّ جاء من أقرب الحُلفاء، وذلك بعد أن تبيّن عدم إكتفاء هؤلاء الحُلفاء المُفترضين بإبعاد «القوّات» عن كثير من اللوائح الأساسيّة، حيث عملوا على مُحاولة تحجيمها إنتخابيًا، وبالتالي سياسيًا، وهو ما لا يُمكن السُكوت عليه. وأضافت المصادر أنّ «القوّات» التي كانت في موقع دفاعي لفترة طويلة، حرصًا منها على ما تبقّى من دعائم «ثورة الأرز»، قرّرت التحوّل إلى الهُجوم دفاعًا عن وجودها السياسي الذي لا يمكن إلا أن يمرّ بتمثيل إنتخابي صحيح ومُنصف.
وختمت المصادر المقربة من القوات كلامها بالقول إنّ «القوّات» التي كانت قد أعطت الأولويّة لتحالفها مع «تيّار المُستقبل» في مُختلف الدوائر المُشتركة في بداية التحضيرات للإنتخابات النيابيّة المُقبلة، صارت اليوم، وبعد ملاحظتها الكثير من المُماطلة المُتعمّدة والمُستغربة على بُعد ساعات وأيّام قليلة من تركيب اللوائح النهائيّة، جاهزة لكل الإحتمالات، لكن ضُمن ثوابتها السياسيّة الأساسيّة، بحيث إمّا تخوض المعركة كقوّة حزبيّة وحيدة مع مُرشّحين مُستقلّين، وإمّا تخوض المعركة بالتحالف مع قوى كانت ولا تزال في صلب ضمير «14 آذار»، من دون أي إستثناءات، أي حتى مع اللواء أشرف ريفي إذا إقتضى الأمر.