على رغم أنّ «حادثة ميرنا الشالوحي» الأخيرة بين حزب «القوات اللبنانية» و»التيار الوطني الحر» ليست فريدة من نوعها، وتحصل بين أفرقاء سياسيين عديدين، إن في لبنان أو في أي بلد آخر، إلّا أنّها شكّلت واقعة إضافية الى مسار طويل، يقتضي حسب البعض إجراء لقاء مصارحة ومصالحة حقيقيتين ونهائيتين بين الطرفين، خصوصاً في هذه المرحلة، حيث هناك خطر على الوجود المسيحي في لبنان، بل خطر على وجود البلد بكامله.
لم يؤتِ «تفاهم معراب» بين «القوات» و»التيار» ثماراً لجهة طي صفحة الماضي، أو تنظيم الخلاف السياسي بينهما على قاعدة علمية ومحو الحقد بين قاعدتي الحزبين المسيحيين. بيانات «التيار» ومواقف نوابه وكوادره تُظهر بوضوح أنّ دفاتر الماضي لم تُغلق بعد. كذلك تدلّ «الحروب الالكترونية» بين مناصري الجهتين الى أنّ «خطاب الكراهية» يُسيطر على أي نقاش بينهم. وبالتالي، يعتبر البعض أنّ التفاهم بين مؤسس «التيار» العماد ميشال عون ورئيس» القوات» سمير جعجع إذا كان لم ينفع ولم يدُم، فلا جدوى من أي لقاء آخر. في المقابل، يرى آخرون أنّ هناك حاجة الى عقد لقاءات دورية بين الطرفين، لوضع حدّ لخطاب الحقد والكراهية بين جمهوري الحزبين، تُفتتح بلقاء بين جعجع ورئيس «التيار» النائب جبران باسيل، وتُستكمل بلقاءات دورية بين المسؤولين في الفريقين.
حادثة «ميرنا الشالوحي» انتهت بشكويين مقدّمتين من «القوات و»التيار» أحدهما ضدّ الآخر. وعلى رغم فشل اللقاءات المسيحية التي سبق أن عُقدت تحت سقف بكركي في توحيد الموقف المسيحي في مواضيع عدة وفي وقف «حرب الالغاء»، أو حتى في استكمال عقدها، يدرس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي طرح مبادرة ما في هذا الخصوص، ويجوجل الأفكار للخروج بالدعوة الى الجمع بين الطرفين أو عقد لقاء مصارحة بينهما، وهو يدرس أفكاراً عدة ليرى أياً منها قابلة للتنفيذ ويُمكن أن يتجاوب معها كلّ من «التيار» و»القوات»، ويعمل على خطوات لـ»الحدّ من خطاب الحقد والكراهية» بين «أبناء البطريركية».
هذه المبادرة طرحها الراعي على وفد من تكتل «لبنان القوي» زاره الاسبوع الفائت، وضمّ النواب سيمون ابي رميا، سليم عون وجورج عطالله، ونائبة رئيس «التيار» مي خريش. وتقول مصادر «التيار» لـ»الجمهورية»: «إننا جاهزون وسنلبّي أي دعوة للبطريرك وكلّ ما يقرّره». وتضيف: «بالنسبة الينا، إنّ ما حصل أمام مركز «التيار» في ميرنا الشالوحي هو اعتداء، وإنّ كلّ الوقائع والمعطيات التي نملكها تؤكّد أنّ ما فعله شباب «القوات»، من مرور الموكب وترجّلهم من السيارات وإطلاقهم العبارات الاستفزازية ضدّ الرئيس والتيار، هو أمر مبرمج واستهدافي». وتفصل بين الشكوى المقدّمة بحق «القوات» ورئيسها، وبين وقف هذا المسار بين الطرفين، موضحةً أنّ «مقاربة هذه الحادثة بوقائعها وحيثياتها، لا يعني عدم التطلع الى الغد والعمل على عدم استمرار هذا الجو المسموم والمتشنج». وتؤكّد، «إيماننا بالتعددية وحق الاختلاف، لكننا لا نقبل المسّ برئاسة الجمهورية الموقع الماروني الأول في البلد، ونقبل بمعارضة وانتقاد الأداء وليس بالمواقف والعبارات غير الأخلاقية التي تتخطّى الأطر القانونية».
«القوات» على عكس «التيار» لا ترى فائدة من لقاء كهذا. وتقول مصادرها لـ»الجمهورية»: «نحن خارج سياق أي لقاءات مسيحية ومصالحة، لأنّنا نعتبر أنّ المشكلة والأزمات القائمة في لبنان من طبيعة وطنية وليس من طبيعة طائفية أو مذهبية. ولا ضرورة لأي لقاء ثنائي أو مصارحة بين «القوات» و»التيار»، فلكلّ طرف موقفه السياسي، وهذا حق في النظام التعددي الحر والديموقراطي الموجود في لبنان».
وتشير المصادر، الى أنّ «القوات لم تتطرق يوماً الى الماضي أو تنبش دفاتره، بل تركّز على ملفات محدّدة، وأنّ المشكلة تكمن في «التيار» الذي يردّ على أي انتقاد إن في ملف الكهرباء أو لأداء باسيل أو العهد.. بنبش قبور الماضي، ويظن أنّه يستطيع أن يتسلّح بأوراق القوة هذه في مواجهة «القوات». وهذا غير صحيح، لأنّ الرأي العام الآن في مكان آخر، والحرب انتهت منذ 30 عاماً، ولكلّ طرف وجهة نظره في الحرب، وأحدٌ لا يستطيع أن يقنع الآخر في هذا المجال». وتعتبر أنّه «بدلاً من مواجهة الخلافات الحاضرة، يذهب «التيار» الى خلافات الماضي، وبالتالي إنّ من ينكأ الجروح ويستخدم لغة الكراهية والعنف هو «التيار» وليس «القوات». وتشير الى دلائل على ذلك، وهي «مواقف الطرفين خلال الأسبوعين الأخيرين، حيث عبّرت «القوات» في خطاب جعجع في قداس شهداء المقاومة وبعد حادثة ميرنا الشالوحي، عن موقفها الوطني وشخّصت الوضع القائم والعلّة الموجودة في هذا النظام وانتقدت ممارسة «التيار» علمياً، فيما أنّ البيانات الصادرة عن «التيار»، والتغريدات والمواقف التي صدرت عن نوابه، تُظهر من يستخدم لغة التحريض والعنف والقتل». وإذ تشير الى أنّ «القوات» لم تردّ على كلّ الشتائم ولغة التخوين والعنف هذه»، تستغرب «كيف أنّ من هو معروف باستخدامه هذه اللغة يتحدث عن نبذها».
وعن معالجة حادثة ميرنا الشالوحي وتطويق ذيولها، تقول المصادر: «على التحقيق الأمني والقضائي أن يأخذ مجراه، ولقد حصل إطلاق نار من طرف واحد، ولا يجب الاستسهال لكشف كلّ ملابسات الحادثة». أمّا المطلوب الآن، حسب «القوات» فهو أمران: «تجنّب حصول حوادث من هذا النوع، وفي حال حصولها العمل على تطويقها ولملمتها سريعاً بعيداً من أي استفزازات من أي طرف، مثلما فعلت «القوات» بعد حادثة ميرنا الشالوحي». وترى أن «لا داعي لتضخيم هذه الحادثة، والقول إنّها معركة «مرج دابق»، فهناك عملية تضخيم مقصودة من البعض لأهداف مكشوفة، فيما أنّ هذه الحادثة تحصل في أعرق الديموقراطيات في العالم، وأصبحت وراءنا».