IMLebanon

“ليبان بوست” أضرّت بالبريد… وهذه “إثباتات” ديوان المحاسبة

 

 

 

يتضمّن البند الأخير من جدول أعمال مجلس الوزراء الذي سيُعقد يوم الأربعاء المقبل، «طلب وزارة الاتصالات الموافقة على مسودة دفتر شروط العقد الخاص لإطلاق مزايدة تلزيم الخدمات البريدية والوثائق العائدة له». الخدمات البريدية ترتبط باسم «ليبان بوست» منذ اكثر من عشرين عاماً، صمدت خلالها الشركة رغم الاعتراضات، على قاعدة التمديد لها كلما انتهت مدّة العقد، إلى أن صارت ملازمة لهذه الخدمة الحيوية بفعل الحصرية، وبحجة عدم القدرة على وقفها.

 

في الواقع، أودعت وزارة الاتصالات دفتر الشروط الذي أعدته لاطلاق مزايدة عالمية، مُنتظرة منذ عقدين من الزمن، الأمانة العامة لمجلس الوزراء التي احالته بدورها إلى إدارة المناقصات، بعد قرار اتخذه مجلس الوزراء يقضي «بتمديد العقد مع شركة «ليبان بوست» اعتباراً من 1 كانون الثاني 2022 ولغاية تاريخه وذلك على سبيل التسوية، تكليف وزارة الاتصالات إطلاق المزايدة بمهلة أقصاها 30 نيسان 2022، تفويض الوزير بإجراء المفاوضات اللازمة مع شركة «ليبان بوست» لتحسين شروط العقد بعد الأخذ بالاعتبار رأي ديوان المحاسبة المتعلّق بالموضوع، وتمديد العقد مع شركة «ليبان بوست» من تاريخه ولغاية تاريخ إطلاق المزايدة في 30 نيسان 2022».

 

وقد تبيّن أنّ إدارة المناقصات تعكف على التدقيق بعناية في دفتر الشروط، بعد تلقيها كتاباً من الأمانة العامة لمجلس الوزراء تطلب فيه من الإدارة إبداء الرأي بالدفتر (لا يتضمن إشارة إلى أنّ المزايدة ستجرى في الادارة)، إلّا أنه من غير المرجح أن تكون ملاحظات الإدارة جاهزة يوم الأربعاء ليطلع مجلس الوزراء على الدفتر مع التقرير الوارد من إدارة المناقصات، ذلك لأنّ الأخيرة تشكو من عدم تمكّنها من الاستعانة بخبراء الإتحاد الأوروبي الذين كانوا يقدمون الخبرة التقنية ضمن برنامج الدعم التقني للإدارة اللبنانية، بسبب تعليق الإتحاد الأوروبي تمويل هذا البرنامج، حيث يبدو أنّ عدم الأخذ بتقارير هؤلاء الخبراء في ملفات مهمة كالطاقة والنفط دفع بالإتحاد الأوروبي إلى تعليق العمل بالعقد، الأمر الذي يؤدي إلى فقدان إدارة المناقصات هذه المساعدة التقنية. وهذا ما سيحول دون الانتهاء من دراسة دفتر شروط الخدمات البريدية خلال اليومين المقبلين، كما سينعكس سلباً على ملفات مهمة قد توكل إلى إدارة المناقصات خلال الفترة المقبلة.

 

أكثر من ذلك، يقول أحد المعنيين إنّ الموعد الذي حدّده مجلس الوزراء بتوصية من الوزير المعني بإطلاق المزايدة نهاية شهر نيسان المقبل هو ضرب من ضروب الخيال ذلك لأنّ هناك استحالة في إنجازها قبل ستة أشهر. كما أنّ طلب مجلس الوزراء من الوزير المعني التفاوض مع شركة «ليبان بوست» لتحسين الشروط، فيه شيء من الاستخفاف بعقول اللبنانيين، اذ كيف يمكن الطلب من شركة خاصة أن تعيد النظر بشروط عقدها مع الدولة اللبنانية فيما الأخيرة تنوي وضع حدّ لهذا العقد خلال أسابيع قليلة؟ إلّا اذا كانت هناك نيّة مبيتة لكي تعود الشركة المذكورة من نافذة المزايدة المنوي إطلاقها أو التمديد لها بفعل الأمر الواقع خصوصاً اذا صارت الحكومة حكومة تصريف أعمال بعد إجراء الانتخابات النيابية! وماذا عن الفترة الفاصلة بين اطلاق المناقصة وانجازها والتي قد تستغرق حوالى ستة أشهر؟ هل سيُصار خلالها إلى اقفال هذا المرفق؟

 

تمديد ثم تمديد

 

هنا، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ فترة تولّي «ليبان بوست» خدمات البريد تعود إلى 22 تموز 1998. منذ ذلك التاريخ، شاب العقد الكثير من الإشكالات والشكوك، التي فنّدتها لجنة الاتصالات النيابية بشكل رسمي في جلسة عقدتها في 1/4/2021، ثم ديوان المحاسبة، في تقرير أنجزه في 8/6/2021، بُني على إخبار مقدّم من رئيس اللجنة النائب حسين الحاج حسن.

 

بعد انتهاء المدة الأساسية للعقد (وهي 15 سنة)، مدّد بموجب كتاب من وزير الاتصالات بطرس حرب بتاريخ 19/8/2015، لثلاث سنوات. ثم مدد للمرة الثانية لفترة ثمانية أشهر بموجب قرار مجلس الوزراء الصادر في 5/9/2019 (قدم حينها وزير الاتصالات محمد شقير اقتراحاً للتمديد للشركة لـ12 سنة جديدة مع تعديل في بنود العقد) تنتهي بتاريخ 15/5/2020، قبل أن يمدّد للمرة الثالثة بقرار من مجلس الوزراء (5/5/2020) حتى نهاية 2020. وبعدها جرى التمديد بموجب موافقة استثنائية موقّعة من رئيسي الجمهورية والحكومة، حتى نهاية شهر حزيران ثم حتى نهاية 2021.

 

وأمام هذا الواقع، دعا ديوان المحاسبة إلى إعادة التوازن المالي للعقد في ضوء الملاحظات التي تطرق اليها، في حال قررت الحكومة تمديد العقد ريثما يصار إلى إطلاق مناقصة جديدة لقطاع البريد تأخذ بتلك الملاحظات كي لا تتكرّر الأخطاء التي ألحقت الضرر البالغ بالأموال العمومية.

 

ملاحظات ديوان المحاسبة

 

وقد تبيّن لديوان المحاسبة وفق تقريره بعد دراسة العقد الأساسي وسائر التعديلات التي تمّت بخصوصه:

 

– عدم تنفيذ العقد حسب الأصول مما حرم الخزينة مبالغ مالية كبيرة وألحق ضرراً في الأموال العمومية، لا سيّما وأنّ قطاع البريد قبل التلزيم كان يحقق وفراً للخزينة، حيث بلغ الوفر نهاية عاميّ 1997 (أكثر من 4 مليارات ليرة) و1998 (أكثر من 7 مليارات ليرة).

 

– التلزيم الحاضر لم يدخل إلى الخزينة أي واردات في الفترة الممتدة بين 22/10/1998 إلى 15/9/2001.

 

– رغم انخفاض واردات المديرية العامة للبريد بعد التلزيم، ما زالت الدولة تتحمّل النفقات التشغيلية من رواتب وأجور وقرطاسية وايجارات بما يزيد الخسائر على الخزينة العامة.

 

– لم تسدّد «ليبان بوست» معظم بدلات ايجار اشغال المكاتب المملوكة من الدولة اللبنانية علماً بأنّ بدل الايجار السنوي المتفق عليه هو 991938000 ليرة وأنّ اجمالي بدل الايجارات المستحقة من 1/1/2001 لغاية 31/12/2019 بلغت أكثر من 18 مليار ليرة.

 

– إنّ تطوير الخدمات لشركة «ليبان بوست» واعتبارها خدمات غير بريدية حرم الخزينة من حصّتها من هذه الواردات.

 

– نتيجة مراجعة وتدقيق الحسابات، تبيّن وجود أخطاء مادية باحتساب المقاصة وهي بلغت 4804770760 ليرة وهي لحساب وزارة الاتصالات، وفي حال حسم المبالغ التي تطالب بها شركة «ليبان بوست» وهي بقيمة 3259157483 ليرة، يصبح الرصيد الصحيح حوالى 1,5 مليار ليرة لصالح وزارة الاتصالات، يجب ايداعه وزارة الاتصالات وانهاء المخالصة لغاية نهاية العام 2019.

 

– بلغت النفقات التشغيلية التي تصرفها الدولة على البريد للعام 2019 حوالى 4 مليارات ليرة.

 

– إنّ اجراء مقاصات متكررة مع شركة «ليبان بوست» بالطريقة التي تمّت حتى تاريخه، قد يتضّمن محاذير تعرض المال العام للاهدار، وذلك بسبب امكانية دفع ذات الالتزامات مرتين: مرة مباشرة ومرة ثانية عن طريق المقاصة.

 

– إنّ التعديلات التي أدخلت على العقد بعد فترة وجيزة من تاريخ توقيع العقد الأساسي لم تعد على خزينة الدولة بنتائج ايجابية.

 

اقتراحات الديوان

 

واقترح ديوان المحاسبة ضرورة إعادة تلزيم القطاع بشروط جديدة تأخذ بالاعتبار سلّة ملاحظات، أبرزها:

 

– رفع النسبة المئوية على الإيرادات السنوية.

 

– شمول هذه الحصة كافة الخدمات.

 

– إعادة النظر ببدلات الإيجار والمصاريف التشغيلية.

 

– حصرية الإشراف على البريد السريع في الدولة اللبنانية.

 

– عدم جواز إجراء أي مقاصة مستقبلاً وتطبيق مبدأ سنوية التحاسب…