عاماً بعد عام يشعر لبنانيون كثيرون بأن “عيد المقاومة والتحرير” هو فرضٌ واجب أكثر مما هو مناسبة تثير رغبة بالاحتفال، وأنه صار عبئاً بدل أن يكون مادة فخر ومحفزاً على الأمل بالمستقبل والبناء.
يتحمل “حزب الله” والممانعون الذين يحتضنهم مسؤولية إفراغ العيد من محتواه وتحويل الذكرى المجيدة الى نكبة مديدة بفعل ما حصل منذ ذلك التاريخ بحق لبنان دولة وشعباً وكياناً باسم المقاومة وقدسية السلاح.
ستبقى التضحيات التي قدمها “حزب الله” وسبقته اليها “جبهة المقاومة الوطنية” منذ نداء جورج حاوي ومحسن ابراهيم للتصدي لاحتلال بيروت في 16 أيلول 1982 ماثلة في ضمير اللبنانيين وموضع تقدير وإجلال، غير ان ربطها بمسار “المقاومة” منذ 25 ايار للعام 2000 ظلمٌ لذكرى من بذلوا الغالي والرخيص، ولا يشكل نموذجاً جذاباً إلا للبيئة الضيقة لـ”حزب الله”، وكأن الحدث الوطني العام تحوّل مناسبة خاصة وجزءاً من المواضيع الخلافية التي تتسبب بأزمة نظام وعيش بين المكونات.
والأمر ليس صدفة ولا “مؤامرة سفارات”، بل يعود اساساً الى قرار “حزب الله” تعليق قيام الدولة بحجة “مزارع شبعا” في انتظار جلاء ميزان القوى الاقليمي وقرار محور طهران. وإذ إنه أضاع على اللبنانيين فرصة تاريخية عقب التحرير، فإنه حرم نفسه خصوصاً من مكاسب ونفوذ بالحلال عبر المشاركة في بناء الدولة من موقع الواثق المنتصر، وليس في تقزيمها من موقع المستكبر الغالب.
لا ضرورة لسرد “مآثر” يوم 7 أيار وقبله وبعده من أحداث جسام ليس آخرها توريطنا بعهد الذل والانهيار. غير ان “حزب الله” فوَّت فرصة ثانية على اللبنانيين حين قرر قمع ثورة 17 تشرين بالحديد والنار. وهو مستمر في حماية منظومة أغرقت لبنان في حفرة لن يقوم منها ما دام الحزب رافضاً التسليم بنتائج الانتخابات، وما دام يعِدُنا بما يشبه ما تلى انتخابات 2005 و2009 حين اعتبر أن الأكثرية تؤخذ “بالدراع” إذا لم تؤمنها صناديق الاقتراع. فكان ما كان مما لا حاجة للتذكير به كون مفاعيله سارية حتى الآن.
بماذا يريدنا “حزب الله” أن نحتفل في 25 أيار؟ بالودائع المسروقة أم بالخزينة المنهوبة أم بالإزدهار وحركة السفن التجارية في مرفأ بيروت الشاهد على 4 آب؟
بماذا يريدنا أن نحتفل؟ بوصول الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الى عتبة الفقر، أم بنحيب الأمهات في وداع المهاجرين الشباب، أم بتحول لبنان لبنانات لأن مشروع الهيمنة كفَّر الناس بمواطنية جامعة ومستقبل واحد؟
لا احتفال يليق بالشهداء الا حين يسترد اللبنانيون دولتهم بعد التنازل عن نزعة الاستقواء. أما التهاني من هنا وهناك فأكاذيب تشهد على أصحابها، أو لياقات تقتضيها العلاقات، أو تثمير للانتصار بأحقاد تستلهم أجواء “الحرب الأهلية”.
يصعب أن يدخل “عيد التحرير” في الوجدان العام طالما لا اتفاق على أي لبنان نريد، ولا على دولة ناظمة للروايات والتواريخ. لكن التحية تبقى مستحقة فقط لأرواح الشهداء.