IMLebanon

عيد التحرير يفقد بهجته..

من المحزن فعلاً أن يفقد عيد التحرير بهجته، ويتحوّل إلى يوم للقلق الوطني، بسبب هذا العنف السياسي الذي يُهيمن على خطاب المناسبة الوطنية بامتياز، ويحوّلها إلى فرصة لزيادة الشرخ والانقسام، بين أبناء الوطن الواحد، ورفاق الخندق الواحد.

اندحار الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب والبقاع الغربي، كان نصراً تاريخياً للوطن، قبل أن يكون انتصاراً لحزب على بقية الأحزاب، أو لطائفة على بقية الطوائف، أو لفئة محددة على بقية شرائح الوطن الاجتماعية، والطائفية والمناطقية.

النصر المؤزر تحقق عبر تلك الوحدة الوطنية النادرة التي دعمت المقاومة، ووقفت خلف أبطالها الميامين في جبهات المواجهة مع العدو الإسرائيلي. تلك الوحدة الوطنية المشهودة، التي جمعت اللبنانيين، كل اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، من أبناء جبل عامل إلى أهالي عكار، ومن عائلات جبيل وكسروان إلى عشائر بعلبك والهرمل، ومن بيروت وطرابلس وصيدا، إلى النبطية وبنت جبيل وميس الجبل، ومن حاصبيا والمختارة إلى جونيه وزحلة.

كان البلد كلّه في حالة استنفار في مرحلة مفعمة بالآمال الكبار، وقادها الرئيس الشهيد رفيق الحريري باقتدار: يد تقاتل ضد الاحتلال، وأخرى تبني وتنشط في إعمار ما دمرته الحروب الداخلية.

التحرير لم يتحقق يوم 24 آذار عام 2000، وإن كان هذا اليوم التاريخي شهد الانسحاب الانهزامي لآخر جنود الاحتلال.

الانتصار الوطني الكبير، كان نتيجة لتراكمات بطولات المقاومين وتضحياتهم، جنباً إلى جنب مع شجاعة اللبنانيين في تحمل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، على المدنيين الأبرياء، وعلى محطات الكهرباء، والمرافق الحيوية، في وقت نجح فيه الحريري في الحصول على اعتراف دولي وإسرائيلي بشرعية المقاومة، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين في القرى الجنوبية، عبر الاتفاق الخماسي في أعقاب عدوان «عناقيد الغضب» عام 1996.

* * *

بدأت وحدة الموقف الوطني مع المقاومة تهتز، مع ظهور بوادر للتفرّد بقرار الحرب والسلم في البلد، بمعزل عن مرجعية الدولة، وبعيداً عن الشركاء الآخرين في الوطن وفي المصير.

ولكن الجبهة الداخلية استعادت تماسكها إبان حرب تموز 2006، وفرضت وحدة الموقف اللبناني أهميتها على مسار الجهود الدبلوماسية الدولية، لوقف العدوان الإسرائيلي المدمر، وتوفير الشروط المناسبة للبنان والمقاومة في بنود القرار الأممي 1701.

حكاية عودة الصراعات والانقسامات التي فصَّلت البلد بين فريقي 14 و8 آذار، أصبحت معروفة وممجوجة، ولا ضرورة للخوض في تفاصيلها، في هذه العجالة.

ولكن، مع هبوب رياح الربيع العربي، وما رافقه من اضطرابات، وظهور حركات متطرفة، وانتشار ظاهرة الإرهاب، لاحت في الأفق بوادر تلاق جديد، بين الأكثرية الساحقة من اللبنانيين والمقاومة، وخاصة بين حزب الله وتيار المستقبل، لوأد كل احتمالات النيران المذهبية على الأرض اللبنانية.

ولم تكن مجرّد صدفة أن يتقدّم سعد الحريري وتيار المستقبل بالذات، صفوف المتصدّين للتنظيمات الإرهابية، وامتداداتها في الداخل اللبناني، والوقوف إلى جانب الجيش والقوى الأمنية في مواجهتها للبؤر الإرهابية، سواء في عبرا أو في طرابلس، أو حتى في جرود عرسال، لأن هذا الموقف الاستراتيجي والحاسم، هو في صلب سياسة الاعتدال، التي أرسى قواعدها الرئيس الشهيد، مكرساً مبادئ الحوار مع الآخر.

بغض النظر عن الخيارات الإقليمية الكبرى التي تُفرّق بين اللبنانيين، وتباعد بين «المستقبل» و«الحزب» بالذات، كان من الممكن أن تكون «الحرب على الإرهاب»، هي الحاضنة لجبهة وطنية عريضة، يتم عبرها تأجيل الموضوعات الخلافية الداخلية المستعصية، والسير بمعالجات مرحلية لبعض الاستحقاقات الملحة، وفي مقدمتها انتخابات رئاسة الجمهورية، والعمل معاً على تحصين الجبهة الداخلية من الاهتزازات الإرهابية، طالما أن الجميع على الموقف الرافض لممارسات التنظيمات المتطرّفة، والدور الذي تضطلع به لإشعال نيران الفتن الطائفية والمذهبية والعنصرية، وتشويه صورة الدين الحنيف.

* * *

لا نبالغ إذا قلنا أن خطاب السيّد حسن نصر الله في ذكرى التحرير، ويوم اكتمال العام على خلو منصب الرئاسة الأولى، تسبّب بصدمة وطنية ووجدانية عميقة لدى الأكثرية الساحقة من اللبنانيين، ليس لأنه لم يطرح من المبادرات ومشاريع الحلول، أو حتى صيغ المعالجات، ما يطمئن وحسب، بل لأنه احتوى على هذا القدر من العنف السياسي، وما حفل به من تهديدات لشركاء في الوطن، ولرفاق في الخندق الواحد ضد الإرهاب، الأمر الذي يُنذر بمزيد من المضاعفات السلبية، والتداعيات على المستوى الوطني، المطوّق أصلاً بسلاسل من الأزمات.

من حق كل لبناني أن يشعر بمزيد من الحذر والقلق عندما يرى أحد الشركاء الأساسيين في الوطن، يتصرّف وكأنه هو مرجعية قرار الحرب والسلم، مع الداخل والخارج على السواء، ويحاول مصادرة دور الدولة والقوى الشرعية في حماية الوطن والمواطنين، ويُصوّر حجمه الكياني بمساحة الأوطان التي ينتشر فيها مقاتلوه: من سوريا والعراق، إلى اليمن والبحرين.

هل ثمة من يسأل عن الغد والمصير.. أمام هذا الأفق الأسود الذي يحمل نذير حروب على امتداد هذا القرن؟