وصلنا إلى زمن الغشّ. أيها المواطن «خليّ عينكَ عالميزان». بعض أصحاب المحال يستغلّون الناس مرتين. مرّة في السعر ومرة في الوزن. الكيلو في حساباتهم 800 غرام و»لا من شاف ولا من دري». كان من الصعب على علياء أن تجد كيلو الكوسا ناقصاً. دفعت ثمنه 56 ألف ليرة لبنانية، ودفعت ثمن كيلو البندورة 45 ألف ليرة. المفاجأة كانت في الكميّة. إذ تؤكد أنها لم تنتبه للأمر، و»لم يكن وارداً مطلقاً أن يصل الباعة إلى هذا الحدّ من الغشّ». خفّة وزن الكوسا والبندورة دفعتها للتدقيق في دكّانة أخرى، لتتفاجأ بأنّ الكيلو سجّل 800 غرام، في وقت دفعت ثمن الكيلو كاملاً.
غشّ من نوعٍ آخر يخترق السوق اليوم. بات حديث الناس أخيراً. فمعادلة «خلّي عينك عالميزان» فرضها التلاعب بالمكيال، إذ لم يكف ارتفاع الأسعار ليزيد غشّ الميزان بلّة. أصبح التلاعب علامة بارزة لدى التجار لزيادة الأرباحِ غير المباشرة. أمام هذا الواقع، لم تنفع كل جولات وصولات مراقبي وزارة الإقتصاد. على العكس، فَتحت شهية التجار على مزراب جديد للسرقة.
علتْ أخيراً صرخات الناس جرّاء هذه الفساد الموصوف الذي يصيبهم في العمق، حيث يقتصر شراء الناس على الكيلو، وربما على الحبّة، ما أثار حفيظة فرح، التي تعرّضت للسرقة أكثر من مرّة قبل أن تكتشف الأمر. تروي لـ»نداءَ الوطن» ما حصل معها عندما قصدت محلّاً لبيعِ الدجاجِ لشراء كيلو «كريسبي». تقول: «في المرّة الأولى كان يوازي 12 قطعة، وفي المرة الثانية انخفض الكيلو إلى 9». تضيف: «قرّرت مراقبة الميزان لتكون الصدمة، فزاد الكيلو إلى 14 قطعة، ما دفعني لمواجهة صاحبِ المحل الذي أكّد أنَ الأمر طبيعي».
المستغرب وفقَ فرح أنَ «الباعةَ يستغلون صمت الناسِ، لا يكفي أننا ندفع ثمن الكيلو 350 ألف ليرة»، سائلةً «أين مصلحة الإقتصاد مما يحصل؟ وهل تعلم بما يجري من تلاعب خصوصاً بعد أن أصبحت الخضار أغلى من الذهب؟».
علاماتُ الصدمة ترتسم على وجه صبحيّة. لم تظنّ يوماً «أن تأكل الضرب»، عادة ما كانت تشتري من ذاتِ الملحمة. ظنّت أنه صاحب ضمير، إلا إنّ الضمير بات من الأفعال الناقصة. على عادتها اشترت نصف كيلو «همبرغر»، وحين وصلت إلى المنزل وضعته على الميزانِ ليتبيّن أنّه 350 غراماً أي ناقص 100 غرام. كثر لا ينتبهون، على قاعدة «مش معقول لهون نوصل».
على ما يبدو أننا دخلنا مرحلة جديدة من السرقة. هذه المرّة من خلال الميزان الذي يفترض أن يكون عادلاً، أمّا الباعة فحوّلوه إلى «ذكاء» تجاريّ. يقرّ بعضهم بالتلاعب كنوعٍ من حماية رأسمالهم، والمستغرب أنّ هؤلاء يؤكدون أنّ سعر السلع يتفاوت حسب هامش الربح لكلّ منهم. ومع ذلك يضيفون نوعاً آخر من السرقة بالميزان. يؤكد أحدهم أنّ «المواطنَ لا ينتبه للأمر. يعتبره شطارة ويدخل ضمنَ قواعد الربحِ، إلا أنّ هناكَ من يراه سرقة واستغلالاً للناس في الظروف الصعبة». قديماً كان «الدكنجي» يستخدم ورقةً ليعدّل الميزان. اليوم يسحبُ البائع ما أمكنهُ من الوزن لتحقيق الأرباح. إنها معادلةُ الأزمة في لبنان.