على طول ما ببن 1200 إلى 1400 كلم تمتد الحدود المصرية – الليبية وهي تتشابك بل إنّ بعض مناطقها يتيح حرية الحركة انطلاقاً من السودان إلى منطقة الوادي الجديد ومرسى مطروح، وصولاً إلى بعض محافظات الصعيد التي لها تماس مع المناطق الصحراوية الغربية (المنيا – أسيوط).
هذه الحدود مؤمّنة من جانب واحد داخل مصر بواسطة حرس الحدود المصري وهي منطقة واسعة وكبيرة وفيها منطقة (بحر الرمال) التي تخفي دروب المهرّبين التقليديين للسلع سابقاً، وحالياً للسلاح والمخدّرات وغالبيتهم تنتمي للقبائل المنتشرة على طول الحدود والتي لها عمق ليبي عدا النَسَب والمصاهرة.
ما حصل سابقاً هو ضبط كميات وشحنات من الأسلحة وصولاً إلى صواريخ (سام 7) المضادة للطائرات والتي تُرمى عن الكتف وصولاً إلى ضبط كميات كبيرة من السلاح المهرَّب إلى داخل مصر، منها أيضاً صواريخ مضادة للطائرات تُحمَل على الكتف وتلاحق الحرارة المنبعثة من الطائرات مثل الصاروخ الذي أسقط طائرة هيليوكوبتر مصرية قديمة الطراز فوق سيناء.
خلال الأسابيع الستة الأخيرة وضعت سلطات الحدود المصرية يدها على مئات السيارات الرباعية الدفع ودمّرت نحو 300 سيارة تدميراً كاملاً منها 25 في منطقة (بحر الرمال) بالإضافة إلى أربعة (موتور سيكلات).
تقول مصادر مصرية مطّلعة إنّه «بعد التطوّرات الحربية الأخيرة في سوريا والنجاحات التي حقّقها الجيش النظامي بدعم روسي – إيراني تمّ رصد ومتابعة انتقال عدد كبير من العناصر من سوريا إلى ليبيا آتين عن طريق تركيا وبعض الدول الأوروبية إلى جانب انتقال عناصر من تركيا إلى السودان ثمّ جنوب ليبيا لأنّ هؤلاء العناصر وجدوا في ليبيا ملجأً أكثر أمناً و بيئة مؤهّلة لتوفير غطاء لحركتهم في منطقة متّسعة ذات حدود مفتوحة على عدد من الدول، وليس مجرّد كيان (من ليبيا نحو الجوار الليبي: الجزائر، مالي، مصر والسودان حيث يُسيطر نظام يشك في انتمائه وعلاقاته القطرية والتركية).
ما حصل في جريمة المنيا هو تحرّك عناصر تلقّوا تدريبهم في ليبيا وعملوا على ارتكاب حفلة إعدام جماعية في حقّ مواطنين مصريين مسيحيين كانوا يتجهون إلى أحد الأديرة لممارسة شعائرهم الدينية (يقدّر حجم الذخيرة التي أطلقت على الضحايا بما يزيد عن 500 طلقة لقتل ركاب غالبيتهم من الأطفال والرجال، والإبقاء على البعض لتحميلهم رسالة عن هذا المشهد الدموي).
يقول مصدر ديبلوماسي مصري إنّ «الجريمة رسمية وأكبر من تنظيم «داعش» أو أيّ فصيل آخر، وهي أتت بعد خطاب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في قمّة الرياض والتي ضمنها اتهامات لجهات خارجية (لم يُسمّها) دول بعينها أنّ هذا الأمر شكّل تطوّراً في الخطاب المصري انطلاقاً من تصويب الرئيس لسهامه نحو دول متورّطة في الإرهاب، وهو الأمر الذي أشار إليه في مجزرة المنيا (التي ذهب ضحيّتها نحو 29 شهيداً و25 مصاباً). وأبعادها إلى وقوف دول وراءها وليس مجرد تنظيم.
في مصر انعقد فوراً اجتماعٌ لمجلس الأمن الوطني المصغّر الذي ضمّ إلى السيسي والوزراء المعنيين قادة وأركان الجيش والأسلحة والأجهزة، واتُخِذت القرارات المناسبة استناداً إلى المعلومات والرصد والاستماع التي شخّصت أنّ مرتكبي الجريمة هم نحو 20 مشبوهاً تلقوا تدريباتهم في ليبيا وكانوا على اتصال بشخصيات في منطقة (درنة) الليبيه، وإنّ غرفة عمليات مجلس الأمن الوطني حدّدت 6 نقاط رئيسة تابعة لمّا يُسمّى (مجلس شورى المجاهدين) في درنة ومحيطها، واتُخذ قرار بقصفها جواً وفعلاً أغارت طائرات من طراز «رافائيل» انطلاقاً من القاهرة وطائرات «أف 16» التي نقلت إلى قواعد جوّية قريبة من منطقة العمليات مدعومة بطائرات إلكترونية بعد التنسيق مع قيادة الجيش الليبي والبرلمان الليبي المعترَف به دولياً، والذي يتّخذ من طبرق مقرّاً له في إطار المادة 57 من النظام الأساسي للأمم المتحدة الذي يعطي للدول الحق في الدفاع المشروع عن النفس تزامناً مع بدء التجهيز للضربة.
وتقول مصادر مطّلعة إنّه «أثناء استكمال الجانب المصري لإستعداداته لعملياته الجوية أبرق السيسي إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ليطلعه على الحادث ويخطره باعتزام مصر توجيه ضربة لنقاط ومعسكرات تدريب لجماعات متطرّفة في ليبيا». وتضيف: «تلقّى السيسي جواباً من ترامب بعد أقل من عشرين دقيقة أكّد خلاله دعمه لمصر في توجيه ضربات للإرهاب في لبييا في إطار الدفاع عن النفس».
وتتابع: «جرى قصف 6 نقاط وسلاح الجوّ المصري يواصل استكمال الضربات حيث أغار على مواقع إرهابية جنوب أجدابيا، وهو ما شهده يوم الأحد 28 / 5 وقد وصلت الغارات المصرية على معسكرات التكفيريين إلى الجبل الأخضر في ليبيا، خصوصاً بعد رصد تحرّك مجموعات إرهابية إلى شرق ليبيا نحو المناطق القريبة للحدود مع مصر خلال الشهور الأخيرة».
وتحدّثت معلومات عن عمليات نوعيّة مصرية (عمليات إنزال لقوات كومندوس) وأسر عناصر إرهابية، وتعزيز الجيش المصري لرقابته على المثلث الحدودي مع ليبيا والسودان عند منطقة (جبل العوينات) في أقصى الجنوب الغربي لضمان عدم انتقال أيّ متطرّفين إلى مصر عبر تلك المنطقة الجبليه الوعرة.
وكانت قوات الجيش المصري والشرطة قد واصلت تعزيز انتشارها على امتداد الحدود مع ليبيا وفي المثلّث الحدودي مع ليبيا والسودان، وكثّفت من الطلعات الجوية لتطهير منطقة الحدود الغربية وصولاً إلى إرساء (منطقة آمنة) تمنع حدوث أيّ تسلّل عبرها عبر تعاون إستخباري والتعاون مع الجيش الوطني الليبي، استناداً إلى معلومات وخرائط عمليات دقيقة تملكها القاهرة لمناطق توزّع المنظمات الإرهابية وسيكون هذا الأمر حاضراً ضمن الجولة الجديدة من المشاورات المصرية – الروسية والتي تشمل وزيرَي خارجية ودفاع البلدين.