IMLebanon

رخصة القتل  

طبيعي أن تنفي موسكو تحليق طيرانها الحربي في سماء منطقة إدلب أو قيامها بأي عمليات قصف في الأيام القليلة الماضية.. وطبيعي أن تنفي بقايا سلطة الرئيس السابق بشار الأسد مسؤوليتها عن مجزرة خان شيخون، أو استخدامها الأسلحة الكيماوية.. وطبيعي أكثر من النفي، أن تمر هذه الجريمة مثل سابقاتها تبعاً لأولوية «الحرب على الإرهاب».. أو تبعاً لكون الضحايا جزءاً من غالبية صار التنكيل بها أمراً عادياً في دنيا اليوم!

والواقع، أن رخصة القتل الممنوحة لبشار الأسد لا تزال سارية المفعول.. وله، على ما يتبيّن المرّة تلوَ المرّة، منذ ما قبل مجزرة الغوطة بالسلاح الكيماوي في صيف العام 2013، أن يختار الطريقة التي تلائمه في استخدام تلك الرخصة. بالذبح. بالرصاص. بالقذائف. بالصواريخ. بالدبابات. بالطيران. بالبراميل. بالكيماوي. بالسارين بأي سلاح ممكن، لا فرق. المهم أن يستمر في القتل وأن يتلقى في المقابل «رداً ملائماً» في كل مرة، أساسة أطنان من بيانات الاستنكار والإدانة والشجب والتقريظ!

وتلك ترجمة وحشية لقرار سياسي.

يعرف بشار الأسد ما عرفه قبلَه صدام حسين.

هذا الأخير كان السبّاق في استخدام الكيماوي ضد الأكراد في حلبجة. لكن وظيفته كانت لا تزال أكبر من جريمته، وتلك لم تنتهِ مفاعيلها إلا بحلول العام 2003، أي بعد أن صار العراق خراباً يباباً ودخل الى الكرنتينا مع «ضمان» أن لا يخرج منها إلا بعد عقود من الزمن!

بين حلبجة في آذار (مارس) 1988 وحرب آذار 2003، كانت مقوّمات نكبة العراق تُبنى طوبة فوق طوبة، برعاية دؤوبة ومباشرة وتفصيلية (وخرافية!) من قبل نظام صدام حسين. وهو كان يعرف، أن من سكت عن حلبجة، لن يذهب الى النهاية في تلقّف تداعيات اجتياح الكويت! فبقي الى أن استنفد جلّ المطلوب منه عراقياً وإقليمياً ثم في لحظة اليقين راح بنفسه الى تسمية المعركة الأخيرة بـ«أم الحواسم»!

بشّار الأسد يعرف بدوره، أن من تخطى مجزرة الغوطة سيتخطى كل شيء وأي شيء آخر! علماً أنّ تلك «تفصيل» في مدوّنة ارتكاباته وفظاعاته.. لكنها «تفصيل عالمي» بحكم خطورة الكيماوي، في حين أن قتل السوريين بالصواريخ والبراميل وسائر الأسلحة «العادية» هو «شأن محلي».. وجزء من آليات وظيفته، التي يتبيّن في الإجمال، أنها لا تزال مطلوبة، أميركياً وإسرائيلياً!

بشار الأسد يعرف، أن الموقف الأميركي الأخير القائل بعدم اعتبار مصيره «أولوية»، وترك ذلك الأمر لـ«الشعب السوري»، يعني تمديد العمل برخصة قتل السوريين وتحطيم ما تبقى من مقومات البنيان السوري! وإبقاء المرجل مشتعلاً لاستنزاف الجميع! وإبقاء المغناطيس مُشعاً لجذب المطلوب جذبهم الى المطحنة. ويستوي في ذلك الإرهاب وجماعته وأذرع إيران وجماعاتها!

بشار الأسد مجرم «محلي» برخصة دولية! وإلى أن ينتهي مفعولها ستبقى المعادلة على ما هي عليه: هو يقصف بالنار والكيماوي والسارين. و«هم» يقصفونه بالبيانات والإدانات والاستنكارات.