ثمة مواقف مفاجئة لغير الذين لم يفهموا حقيقة مقاربة بشار الأسد لظاهرة «داعش« منذ البداية. هؤلاء دفعتهم مواقف النظام السوري وحلفائه الأخيرة إلى التساؤل؛ هل فعلاً يريدون إنهاء «داعش«؟!. وعلى عكس هؤلاء؛ بدا الذين يفهمون ألاعيب النظام السوري أكثر اطمئناناً لما اعتقدوه من قبل، بعدما تأكدوا أن بشار الأسد أراد «داعش« عن سابق تصور وتصميم؛ سمّنها ليوم الذبح رجاء أن يقبض ثمنها. عندما بات الوحش مخيفاً للعالم بأسره بُعث وليد المعلم من سبات؛ ليقدم عرض النظام السوري: «نحن جاهزون للتعاون والتنسيق مع الدول الإقليمية والمجتمع الدولي من أجل مكافحة الإرهاب«.
بدا للوهلة الأولى أن الخطة قد نجحت، سيما أن صحفاً غربية نشرت مطولات حول اقتناع الغرب بضرورة التغاضي عن إجرام بشار الأسد، وإعادة تعويمه مقابل التخلص من «داعش« في العادة يمول النظام بروباغندا مشابهة-. صدحت الأبواق في لبنان بوجوب أن يتعلم خصوم «حزب الله« من أسيادهم بضرورة التنسيق مع النظام السوري في محاربة الإرهاب. بُثت تقارير حول هرولة قادة عرب للاتصال بالأسد لفتح صفحة جديدة، ونشرت أنباء نفتها السعودية – أن الرياض أعادت تبادل التمثيل الديبلوماسي مع النظام السوري. صدّق كثيرون في لبنان أن العالم سيعيد تعويم الأسد مرغماً. لم يكن في هذه الدعاية أي مضامين قيمية، من قبل فريق يدعي طهارة سياسية موصوفة. كانت دعايته مجرد طروح قائمة على تخويف ومكر؛ جوهره إفهام الخصوم بضرورة الاستسلام لأقوياء يفهمون ألاعيب السياسة ومصالح الدول.
سيطر المشهد السابق لأيام قبل أن يظهر عواره؛ أولاً: لأنه بُني على أضاليل أو تمنيات على أحسن تقدير، هو خلاف مسار الزمن بقدر ما تعتبر «داعش« ظاهرة مغايرة لمسار الزمن. وثانياً: لأن العالم لم تعد خافية عليه أساليب النظام السوري وحلفائه في صناعة الإرهاب. وثالثاً: لأن التحالف الدولي ضد «داعش« غير ممكن التحقيق على أساس إعادة إنتاج نسخة محسنة من النظام السوري، فالدول المتحالفة ضد «داعش« لا تقبل بكسر نفسها بنفسها أمام الأسد (لاحظ أن المؤتمر ضد «داعش« انعقد في جدة)، والجماعات التي ستتولى القتال على الأرض لن تقبل المقايضة ما لم يكن رأس الأسد على الطاولة، وتالياً فإن تحالفاً ضد «داعش« يضم النظام السوري وإيران لا يمكن أن يتشكل أو يثمر أصلاً.
ولأن بروباعندا النظام راهنت على تغير الموقف الأوروبي من النظام السوري (سبق أن شطب وليد المعلم في تصريحات له أوروبا عن الخريطة) فقد صدرت مواقف أوروبية حاسمة في رفض المفاضلة بين «داعش« والنظام السوري. لوران فرنسوا قال إن «الأسد أوجد داعش«، فيما فضّل الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مخاطبة الأسد مباشرة بقوله: «أنت حليف للإرهاب«. بالتوازي ظهرت مواقف عربية لتذكير «حزب الله« أنه هو نفسه إرهابي لا تقل خطورة إرهابه عن «داعش« بنظر كثير من الدول والجماعات والشعوب في المنطقة.
عندما ظهرت الصورة على حقيقتها تغيرت المواقف؛ بدأت بالتشكيك وصولاً إلى الرفض والدعوة للمقاومة. وبما أن فريق الثامن من آذار يمسك بوزارة الخارجية اللبنانية من خلال الوزير جبران باسيل فقد خاض هذا الفريق نقاشاً داخلياً قوياً حول مشاركة لبنان في التحالف الدولي ضد «داعش«. طالب فريق «حزب الله« بمناقشة الموضوع في مجلس الوزراء قبل موافقة لبنان على التحالف، الأمر الذي لم يحصل، فيما اعتبر «التيار الوطني الحر« أن لبنان هو جزء من الحرب على «داعش« بحكم الواقع، ولا يمكنه إلا أن يشارك في التحالف الدولي المزمع عقده.
أما في سوريا، وبما أن الغرب لم يقبل عرض النظام السوري الذي أعلنه الوزير المعلم، فقد أعلنت مستشارة الأسد بثينة شعبان أن دفاعات الجيش السوري سوف تتصدى لطائرات التحالف. الرد الأميركي (التهديد بتدمير منظومة الدفاع الجوي السوري) أكد أن ما كان يشيعه النظام السوري عن حاجة أميركا لبشار الأسد كان مجرد خداع إعلامي.
في واقع الحال؛ فإن النظام السوري وحلفاءه مضطربون لأن طوق النجاة الداعشي لن ينقذهم من الغرق. صحيح أن البدائل التي ظهرت أطالت في عمر النظام، لأنها من الصنف غير المرضي عنه، لكن الصحيح أيضاً أن صلاحية نظام بشار الأسد انتهت؛ مهما طالت فترة نهايته، فعندما تصبح المصلحة الأميركية راجحة في التخلص منه، لن يكون الأمر صعباً. هذه حقيقة يدركها الجميع، ومن لديه شك فليتأمل في هذا التحالف الدولي، قيد التشكل، غير آبه بمجلس الأمن ولا بالفيتو ولا بالصراخ الروسي.
إن كل ما سبق من عجز دولي أمام الأسد لم يكن معيقاً أمام تسريع نهايته، لو كانت الإرادة الدولية بإطاحته قبل التأكد من البديل موجودة. هذه الإرادة ستعبر عن نفسها يوماً بقرارات بسيطة لكنها مؤثرة، عندما تتبدل معطيات المشهد السوري.