فيما تتسع رقعة الترحيب بتوصل مجموعة الدول الخمس + 1 الى اتفاق مع ايران يقضي بوقف برنامجها النووي، ثمة قراءات متحفظة أقرب الى الواقعية حيال الالتزام الدولي لرفع العقوبات الاقتصادية والمالية عن طهران.
لا يختلف اثنان على الايجابية التي اتسم بها توصل المجموعة الغربية الى دفع ايران لوقف برنامجها النووي، مع ما يعنيه ذلك من اعتراف منها بهذا البرنامج وأهدافه، وهو الامر الذي كان محط ردود الفعل المحلية والعربية والدولية. لكن ما غاب عن الاضواء هو التنازل الذي قدمه الغرب مقابل هذا الامر والمتعلق برفع العقوبات الاقتصادية والمالية والعسكرية عن طهران.
ثمة من يرى مكاسب ستحققها بعض الدول المهتمة بثروات ايران التي كانت من أهم منتجي النفط في السبعينات، وتمتلك رابع احتياط عالمي من النفط الخام. وقد فقدت موقعها الاقتصادي بفعل تضييق الخناق الغربي عليها نتيجة العقوبات وحظر التعامل الدولي معها.
ومع الانقلاب الحوثي في اليمن، بدا أن طهران كادت تستعيد هذا الموقع من باب احكامها السيطرة على منفذين استراتيجيين للمنطقة العربية ولحركة النفط البحرية هما باب المندب ومضيق هرمز مما كان يتيح لها الاستغناء عن امتلاك القنبلة النووية كما حذر قبل أشهر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
لكن هذا لا يعني في المقابل، أن رفع العقوبات لا يثير خشية او تحفظات في اوساط اقتصادية ومالية، لعل أكثرها ينطلق من منظار محلي، لما يمكن ان يرتبه سريان مفعول الاتفاق النووي على لبنان تحديداً، بقطع النظر عن مفاعيله على المنطقة العربية.
وفي حين برزت ردود فعل مرحبة برفع العقوبات الاقتصادية والمالية عن طهران، لما سيكون له من انعكاس ايجابي على الأوضاع الاقتصادية المحلية، على قاعدة ان رفع الحظر عن التعاملات مع طهران سيفتح السوق الايرانية امام الانتاج اللبناني وسيوسع آفاق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، فان ثمة خشية يبديها بعض الاوساط المصرفية من محاذير مثل هذا الانفتاح على النظام المصرفي اللبناني.
فهذا القطاع خضع منذ فرض العقوبات للمراقبة ولمعايير وقوانين قاسية وحذرة فرضتها السلطات المالية الاميركية في الدرجة الاولى والغربية ثانياً. وقد التزمها لبنان وتجنب محاذير السماح لايران ( ولسوريا وحزب الله) بالتفلت من العقوبات عبر النظام المصرفي اللبناني، بما جنبه العقوبات الدولية.
لكن التساؤلات التي تطرح في الاوساط المصرفية اليوم تدور حول امكان استئناف التعاملات المالية والمصرفية مع طهران في شكل طبيعي، وبأي معايير؟
عندما زار مساعد وزير الخزانة الاميركية لشؤون تمويل الارهاب دانيال غلايتزر لبنان قبل أقل من شهر تقريبا، بدا واضحا أن الاهتمام الاميركي تحول في اتجاه مسألة تمويل “داعش”، بحيث تركزت النقاشات في هذا الاتجاه مع اغفال شبه تام لمسألة “حزب الله” وايران التي طالما شغلت السلطات المالية الاميركية.
ويبدو أن هذا الاتجاه سيتعزز أكثر في المرحلة المقبلة، فيما تتجه مجموعة الدول الغربية والولايات المتحدة الاميركية الى بدء وضع الآليات لرفع العقوبات الاقتصادية والمالية عن طهران.
ثمة من يرى أن من المبكر الحديث عن رفع العقوبات بما أن هذا الامر ارتبط بحسب القراءة الغربية لبنود الاتفاق، مع التزام طهران وقف برنامجها النووي وتأكد المجموعة الدولية من ذلك.
وهذا الامر يمتد للسنوات العشر المقبلة، فيما ترى طهران ان رفع العقوبات يدخل حيز التنفيذ فور توقيع الاتفاق النهائي بنهاية حزيران المقبل.
وفي انتظار هذا الاتفاق الذي يفترض ان يحسم القراءات المتناقضة لاتفاق الاطار، فان الاوساط المصرفية المحلية لا ترى في رفع العقوبات اليوم فرصة للقطاع المصرفي قبل أن تتوضح آليات هذا الامر. بل هي تذهب أبعد في الاعراب عن تخوفها من أن يشكل الامر تهديدا للمصارف اذا لم تتضح في شكل قانوني وبموجب تعاميم وقوانين آليات التعامل المالي والمصرفي مع طهران، وذلك لخشيتها من رفع العقوبات من جهة وابقاء الرقابة سيفا مصلتا على المصارف من جهة أخرى.
وينتظر أن تثير المصارف هذا الموضوع في لقاءاتها مع السلطات الاميركية خلال الزيارة التي سيقوم بها وفد من جمعية المصارف لواشنطن خلال الاسبوعين المقبلين.