على رغم التفسيرات السياسية المختلفة عن مغزى وأبعاد اﻻتصال الذي قام به الوزير أشرف ريفي بالرئيس نجيب ميقاتي ودعوته إلى فصل السياسة عن القضايا اﻻنمائية، غير أنّ تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين للبحث في توحيد الجهود في ميدان قطاع الكهرباء في سبيل تأمين التيار 24 على 24 ساعة، أعاد الأمل إلى المواطنين في طرابلس والأقضية المحيطة، وعاد الحديث الجدّي عن إمكانية تحريك عجلة التنمية الشاملة وتحقيق بعض المطالب في القضايا الملحة جرّاء الإهمال المزمن.
لا نريد إحباط آمال الطرابلسيين، خصوصاً في هذه الأيام التي بدأت فيها طرابلس تسترجع قوامها الجميل وتوقفت أشجار النخيل فيها عن الالتواء جرّاء جولات العنف واستقامت تَترقّب المفاجآت التي تتسابق فاعليات المدينة على إطلاقها في مواسم الأعياد وحتى بعدها، فتعيد كلّ تلك المشاريع الإنمائية حُكماً البَسمة والحياة الى ليالي المدينة الحزينة… وها هما اليوم اثنان من أبرز أقطابها المتخاصمين سياسيّاً يعلنونها مدينة النور بعد عزمهما على إنارتها 24 ساعة على 24 مُتحدّين الخلافات السياسية… وأشياء أخرى!
لكنّ الخوف يكمن في هذه «الأشياء الأخرى»، ليطرح أكثر من سؤال عن عوامل عدة ينبغي التوقف عندها لتحقيق هذا الهدف اﻻساسي، خصوصاً في ظل الكثير من العوائق السياسية كما الإدارية التي قد تحول دون تأمين الكهرباء على مدار الساعة في المدى المنظور، وفي طليعة هذه الموانع:
1 – كيفية استرداد إمتياز شركة قاديشا القابضة التي كانت تتولى سابقاً توليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها في طرابلس ومحيطها، على غرار شركة كهرباء زحلة بعدما استملكت الدولة الشركة بشكل كامل بما فيها معمل الحريشة ومحطة دير نبوح بالإضافة الى استملاك شبكة التوزيع عند إعداد خطة تأهيل قطاع الكهرباء في لبنان عام 1992 ضمن سياسة الربط الشامل، الأمر الذي اعتبره الخبراء خطأ جسيماً بحيث فرّطت فاعليات طرابلس السياسية حينها بهذا اﻻمتياز ضمن اﻻندماج الكامل بشركة كهرباء لبنان، في وقت حافظت شركة كهرباء زحلة على حقوقها الطبيعية واستخدمتها أخيراً في عملية تنوير كهربائية كاملة لمنطقتها.
2 – هناك آراء عدة في عاصمة الشمال تَتوجّس من نوايا سياسية تتربّص بهذا المطلب وستحاول إعاقته في رأيها من باب الحفاظ على دجاجة تبيض ذهباً للخزينة وباب هدر مفتوح حتى ولو تكتّلت كلّ القوى السياسية في طرابلس وشكّلت لوبي للضغط على الحكومة للموافقة على استثمار طرابلس شبكة الكهرباء وتوزيعها بشكل مستقل.
ليعلّق أحد نواب طرابلس لـ«الجمهورية»، سائلاً: «هل سيَسمح الوزير جبران باسيل بصفته «أبو الطاقة اللبنانية»، وهو اللقب الأحبّ على قلبه، بتمرير المشروع الخاص بطرابلس داخل الحكومة وهو الذي حظيَ بتمويل لخطة إعادة التيار الى لبنان كاملاً بلغت أكثر من مليار دوﻻر، وقد ذهبت هدراً وفشلت وعوده فيما تراجعت في المقابل ساعات التغذية في كل لبنان؟».
3 – ما هو مصير المولدات الخاصة؟ تلك المولدات التي أصبحت رديف تيار الدولة الذي ﻻ بديل عنه ابداً. وﻻ ينبغي أن نستهين بقدرات وإمكانات أصحابها الذين أصبحوا أقوى من الدولة وأجهزتها جرّاء سطوتهم في الشارع، فهناك من يشكّك أيضاً في قدرة ريفي كما ميقاتي على الوقوف في وجه أصحاب المولدات الذين حققوا أرباحاً خيالية وكوّنوا شبكات علاقات خدماتية عنكبوتية.
وفي هذا المجال تسخر شخصية بارزة في المدينة من «إمكانية تجاوز معضلة المولدات الخاصة في طرابلس على غرار سلاح المقاومة، على رغم طروحات بديلة تدعو إلى استيعاب أصحاب المولدات الخاصة وإعطائهم أسهماً في شركة الكهرباء وضمن خطة اﻻندماج الكهربائي أو إقرار تعويضات مالية مقابل شراء معداتهم وتوحيد محطات توليد الطاقة».
4 – إذا تمّ تجاوز كلّ هذه المعوقات، فإنّ أسئلة أخرى تتبادر إلى الذهن حول إمكان إدارة هذا القطاع الحياتي بشكل مُتقن. وهنا يسجَّل تباين واضح بالوصول الى الهدف المنشود بين ريفي وميقاتي، فمنذ نحو عام تقريباً أعلن ميقاتي بالتعاون مع النائب محمد الصفدي تأسيس شركة «نور الفيحاء» لتوزيع الطاقة الكهربائية في طرابلس على أن يجري فتح اﻻكتتاب أمام جميع من يرغب بالمساهمة في هذا المشروع وهذا ما يتطلّب وفق غالبية الآراء وقتاً طويلاً وربما لسنوات في سبيل تأمين الرأسمال للشركة الموعودة ما يجعلها قادرة ومتمكّنة من إدارة هذا القطاع الحيوي.
5 – العوامل الأخرى البارزة، والتي ﻻ تقلّ صعوبة إن لم يكن استحالة، تتمثّل في سبل نَيل التراخيص اللازمة لكيفية إقناع السلطات المختصة بالتنازل عن إدارة القطاع الأهمّ الذي يغذي خزينة الدولة لصالح القطاع الخاص خارج إطار مشروع خصخصة قطاع الكهرباء في كل لبنان.
وإزاء هذه المشكلة تنبع فكرة ريفي القائمة على تجاوز الأطر الرسمية وإشغال شبكات التوزيع عند انقطاع التيار كما جاء في مقابلته اﻻخيرة، حيث دعا بإسم المواطنين في طرابلس للحصول على الطاقة ولَو بالقوة ما أثار لغطاً كبيراً، تختلف الآراء حول جدواه من الناحية القانونية.
وفي السياق، قالت مصادر ريفي لـ«الجمهورية» أنه كان واضحاً في كلامه عن الأطر القانونية، وأنّه سيسير إلى نهاية المطاف وعندما يأتي الرفض من الدولة بشكل صريح، عندها لكل حادث حديث، لأن الدولة هي التي تكون قد سارت بعكس القانون وليس ريفي، فالدستور يسمح للمواطن بالحصول على الكهرباء 24/24 وهذا ما سيظهره ريفي قريباً وهو في إطار تحضير دراسة قانونية دستورية تُكرّس الكهرباء كحق دستوري للمواطن. أما اللجوء الى الشارع فسيكون في حال تمنعت الدولة عن قبول المشروع.
اللجنة المشتركة
في ظل هذا الكمّ من التحديات الكثيرة، تتّجه اﻻنظار الى اللجنة المشتركة بين فريقي ريفي وميقاتي للوصول الى رؤية مشتركة في إدارة القطاع الكهربائي نظراً لحيويته وانعكاساته المباشرة على المستويات السياحية واﻻقتصادية والإنمائية لطرابلس.
وفي معلومات لـ«الجمهورية»، فإنّ عمل اللجنة المشتركة ما زال في بدايته ويلزمها المزيد من الوقت في انتظار الإجابة عن أسئلة محدّدة طرحها المجتمعون. وتنتظر اللجنة إجابة الدولة عن اسئلة تمّ طرحها قبل الانتقال الى الخطوات التالية. كما أنّ هناك عملاً على توحيد الجهود بين ميقاتي وريفي لكي يستحصلا معاً على قبول الدولة بالمضي قدماً في المشروع لأنهما يشكلان معاً قوة ضغط موحّدة وذلك في سبيل إنماء المدينة.
.
فمشروعا ميقاتي وريفي وإن اختلفا، فهما يقفان على نقطة واحدة، الأولى قريبة الامد ومتمثلة في مشروع ريفي والثانية بعيدة الامد وهي المشروع الذي قدّمه ميقاتي منذ سنة ويلزمه نحو 15 شهراً، وسيكون أيضاً عبر شركة كهرباء قاديشا.
وفي التفاصيل فإنّ كلفة مشروع ريفي أقل ويستطيع إنارة المدينة 24/24 بعد ثلاثة اشهر من الحصول على الموافقات القانونية بما فيها التعرفة التي ستكون من خلال قاديشا والاكتتاب ايضاً. والأمر ذاته بالنسبة الى ميقاتي إذا استطاع الحصول على الموافقة، أمّا النقطة المهمة فهي كيفية الاستحصال على هذه الموافقة من شركة قاديشا من خلال الاتفاق.
وبمنطق القانون وإذا توصّلا معاً الى الاتفاق سيكون كالآتي: سيبصر مشروع ريفي النور بعد الأشهر الثلاثة الاولى ويؤمن الكهرباء بعد إنجاز المسائل القانونية كافة. وبعد 15 شهراً وفي حال انطلق مشروع ميقاتي سيتوقف حكماً مشروع ريفي لأنّ توصيل الكهرباء سيكون للجميع عبر
الشبكة العالية.
امّا اللجنة فتبحث اليوم في: كيفية إقناع قاديشا بقبول العقود وبوضعها للتعرفة، وتوحيد الصفوف بين الطرفين (ريفي – ميقاتي) لأنه اذا تمّ إقناع قاديشا وسلكت الامور القانونية مجراها الطبيعي وبالتالي اذا قبلت اليوم قاديشا التوقيع مع ريفي ستقبل حكماً لاحقاً التوقيع مع ميقاتي.
.
وتقول أوساط ريفي إنهم ليسوا مختلفين في الجوهر مع ميقاتي، وتؤكد أنّ عملهم سيكون حتماً ضمن سقف القانون وسيسير عبر القنوات القانونية التي تسمح بإيصال الكهرباء للمنطقة. امّا اذا كانت هناك استحالة لإتمام المشروع، فستكون الاستحالة للطرفين، لذلك شُكّلت اللجنة المشتركة، علماً أنّ المشروعين يغذّيان ايضاً خزينة الدولة ولن يأخذا شيئاً من جيبتها في حال تمّت الاتفاقات ضمن القوانين المرعية.
وتضيف المصادر: «ليس هناك استحالة لإقناع الدولة لأنّ الامتياز يعود لشركة خاصة ولو أنها مملوكة من كهرباء لبنان، وتستطيع الدولة ان تبرم عقوداً خاصة. لذلك ليس هناك استحالة بل هناك امتناع في حال أرادت الدولة العرقلة».
امّا بالنسبة إلى خطوات ميقاتي، فقد علمت «الجمهورية» أنه ليس في وارد الانطلاق في مشروع «نور الفيحاء» من خلال اللجوء الى القوة او الشارع بل هو يسير في الأطر القانونية ولو أخذ وقتاً طويلاً نسبياً، علماً أنّ فريقه قد أنجز الملف كاملاً والتحضيرات له، بما فيها التراخيص وغيرها من المسائل الاساسية والادارية ولم يتبقَّ سوى التفاصيل المتعلقة بكمية الانتاج وغيرها. وفي المعلومات أنّ «نور الفيحاء» قد استحصلت على عدد من التراخيص وما زال ينقصها أعداد أخرى، وهي تعمل للاستحصال عليها.
أما الصفدي ووفق معلومات «الجمهورية»، فلم يمضِ قدماً في المشروع لأسباب عدة، أبرزها الطريقة التي أراد ميقاتي اعتمادها في تلك الفترة وكانت تهدف إلى شراء المولّدات الكبيرة من الخارج وبيع الكهرباء الى الدولة على أن توزّع الدولة الكهرباء بدورها على المواطنين، وتغطي طرابلس 24/24. فلم يوافق الصفدي لأنه اعتبر أنّ الدولة ونتيجة عملية البيع تلك ستوزّع الكهرباء على كلّ الأراضي اللبنانية وفق مصلحتها ولن تخصّ بالتالي طرابلس بالكهرباء 24/24 وتترك لبيروت 16/24.
لذلك اقترح الصفدي وقتها شراء شركة قاديشا التي ما زالت شركة تجارية من ناحية التسجيل فيما أسهمها ما زالت ملكاً للدولة، واقترح شراء الأسهم من الدولة وتجديد الشركة وبيع الكهرباء للمنطقة بكاملها تحت استثمار 24/24 على أن تباع الأسهم بين 75 و80 في المئة الى المواطنين بسعر الكلفة فيما تبقى الحصة المتبقية كحصة إدارية. إلّا أنّ الصفدي وميقاتي لم يلتقيا على التفاصيل ما أدّى الى عدم مضي الصفدي قدماً في المشروع.
لكنّ العالمين في الامور يقولون إنّ الكلام في هذا المشروع اليوم هو كلام سياسي ومن الأفضل التريّث حتى الوصول الى النتائج المتوخّاة قبل بدء التنفيذ. وعلى الفريقين الترقّب ومراقبة المشهد السياسي المقبل قبل اتخاذ المبادرة والقرار النهائي.