في الاول من تشرين الثاني الجاري، أضاء رفيق الحريري شمعته السبعين بدلاً من إطفائها كما جرت التقاليد. وفي القاعة التي أقيمت فيها الندوة لهذه المناسبة والتي تحمل اسمه في مسجد محمد الامين بوسط بيروت بدعوة من إتحاد العائلات البيروتية رحت أتأمل الثريا في إحدى زوايا المكان والتي تبهر النظر بجمالها، إذ كانت تنطلق من قاعدة الى الاعلى بدلا من أن تتدلى من السقف. مرّ على البال خاطر أعاد تمثيل الوقت الذي راح فيه الرئيس الراحل يعمل بلا كلل من أجل أتمام هذه التحفة المعمارية التي لا مثيل لها في لبنان فكان له ما أراد، كما كان للقدر ما أراد بأن تحول جوار المسجد مثوى لمن شيّده. من الشائع القول، “إن لا أحد يموت ويأخذ معه شيء إلا صالح الاعمال”. وفي مناقشة بسيطة لهذا القول نضيف أن صالح الاعمال لن يذهب الى القبر بل سيبقى حيا في حياة الشعوب، ومعها يبقى صانعوها أحياء في مسار الانسانية. رفيق الحريري هو كذلك، وتعداد صالح أعماله يستغرق وقتا طويلا على طول هذه البلاد وعرضها.
عقل رفيق الحريري وساعداه اعادوا بناء لبنان بعد حرب 1975. أما روحه وهي باقية فتحمي لبنان في وجه الاعاصير التي بدأت تهب منذ لحظة استشهاده عام 2005. أما كيف، فالجواب في إرث يجسده الرئيس سعد الحريري. ففي مسار نشوء الكيان الاستقلالي عام 1943 كانت قامات كبرى من وزن رياض الصلح الذي آمن بالكيان في لحظة كانت أفئدة المسلمين في لبنان تهوي نحو الوطن العربي الكبير. وفي لحظة دمار الكيان أطلت قامة رفيق الحريري لتعيد البناء مجبولا بالامل الذي أعاد توطين اللبنانيين في وطنهم. والان، وبعدما لاحت مشاريع استتباع الكيان بخراب المنطقة تنكب سعد الحريري لمهمة حماية الوطن بمشروع الدولة متعاليا على جراح يتسبب بها أحيانا من هم في موقع المؤتمن على الدولة.
عظماء لبنان كثر ولا يعني إغفال أسمائهم أي انتقاص منهم. إنما الامر الجلل اليوم هو مراجعة مسار الوطن الذي شاءت حسابات نتائج الحرب العالمية الاولى أن يكون كيانا بإرادة من دولتين كانتا عظيمتين عام 1914 فكُتبت بحبرهما البريطاني والفرنسي إتفاقية سايكس – بيكو. أما بعد مرور قرن انتقلت العظمة الى خارج الفلك البريطاني والفرنسي.
رب سائل ممن ينظر من نافذة الطوائف والمذاهب: أين قادة الموارنة وسائر المسيحيين؟ وأين قادة الشيعة وسائر المسلمين؟ الجواب ببساطة هو الاتي: عندما تكون فردا ولد من أبويّن سنييّن وتنظر من حولك فلا ترى سوى بحرا سنيّا متلاطما ويبقى مكانا في عقلك لتعود الى رقعة صغيرة من مكان اسمه لبنان فلا بد أنك “إما مجنون وإما فيلسوف” كما يقول أحد الفلاسفة في رجل يتمكن من العيش مع امرأة كل عمره. هذا هو الفارق الذي يميّز رفيق الحريري بالامس وسعد الحريري اليوم. إن السباحة عكس التيار ليس بالامر الهيّن. لهذا السبب لا يزال رفيق الحريري يضيء الشموع.