Site icon IMLebanon

اضاءات على خطاب نصرالله

لم يخرج خطابُ الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عن السقف السياسي الذي فرضه الحوار مع «المستقبل». وعلى رغم أنه تضمّن الكثير من النقاط والمواقف، إلّا أنه ظلّ منضبطاً في إطار التبريد والتهدئة.

أوّل ما يمكن التقاطه في خطاب السيد نصرالله، أنه لم يرد على خطاب رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري، ولم يدخل في سجالٍ معه قد يؤدّي الى توتير الاجواء، وذلك حرصاً على استمرار «الحوار الثنائي» بين الطرفين اللذين لديهما مصلحة في تنفيس الاحتقان وتخفيف التوتر والتشنّج.

وعلى رغم أنّ خطاب الحريري تضمّن نقاطاً إشكالية عدّة، إلّا أنّ نصرالله حرص على عدم ملامسة كلام الحريري مباشرة، وهذا يعكس جدّية «حزب الله» في الحفاظ على مناخات الحوار والتعامل معها بأعلى درجات المسؤولية.

في سياق الحديث عن الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الارهاب، كانت دعوة نصرالله واضحة للجميع بتحمّل مسؤولياتهم على هذا الصعيد، من دون الغوص في نقاشات عقيمة والمقارنات غير المجدية لمفهوم الارهاب عند البعض وسبل تعريفه.

وهذا لا يعني أنّ الحزب يقفز فوق التباين القائم في البلد حول مفهوم الارهاب، بل يدعو القوى السياسية الى القفز فوق حساباتها وارتباطاتها واولوياتها السياسية، لمواجهة الخطر التكفيري الجاثم على الحدود. وهذه ليست المرة الاولى التي يدعو فيها نصرالله الافرقاء اللبنانيين لإسقاط خلافاتهم الداخلية والتوحّد في مواجهة الارهاب.

فقد سبق أن تحدّث عن «كتلة تاريخية» لبنانية من أجل التصدّي للمخاطر التكفيرية التي تتهدّد الجميع. والكتلة التاريخية تعني توحيد الجهود في مكافحة التطرّف من دون إسقاط الخلافات المحلية او التخلي عن المواقف السياسية المتصلة بالانقسام اللبناني الذي صار «تقليديا».

ليس مطلوباً من أحد بحسب كلام نصرالله أن يغادر موقفه أو موقعه السياسي، بل المطلوب من الجميع المساهمة في قيام «استراتيجية وطنية لمكافحة الارهاب» الذي يضرب المنطقة، ولبنان طبعاً ليس معزولاً عن هذا الزلزال، وهو على جدول الدول المستهدَفة بحسب ما أعلنت وتعلن المجموعات الارهابية من «قاعدة» و»نصرة» و»داعش» وغيرها.

عند الحديث عن المخاطر الارهابية على الحدود، لا مفرّ من التطرّق الى التنسيق الامني والعسكري والسياسي بين لبنان وسوريا.

هذه بديهيات في العلاقات بين الدول ذات الحدود المشترَكة، ولن يستطيع لبنان التصدي للمخاطر التي تمثلها الجماعات الارهابية على الحدود، من دون التنسيق الفعلي بين الجيش اللبناني والجيش السوري، و»حزب الله» سيتبنّى هذه السياسة وسيعمل على خلق حال رضا وقبول سياسي لبناني لهذا التنسيق الضرورة.

والحال هذه، تقتضي المرحلة أن يخرج البعض في لبنان من المكابرة، ورفض التنسيق مع سوريا بل وإسباغ صفة «الثوار» على المجموعات الارهابية المسلّحة.

وفي حين بايع زعيم «النصرة» ابو محمد الجولاني زعيم «القاعدة» ايمن الظواهري، لا يزال في لبنان مَن يصف «القاعدة» المسماة «نصرة» بأنها «جهة معتدلة»، لا لشيء سوى التشبّث غير المجدي بالمواقف التي اثبتت الايام عدم صحّتها وجدواها.

لا يوجد إرهاب معتدل وإرهاب متطرّف، و»جبهة النصرة» تفخَر بانتسابها لتنظيم «القاعدة»، وتقول إنها الممثل الرسمي له في «بلاد الشام»، ومحاولة تمييزها عن «داعش» يصبّ بأحسن الاحوال في سياق التذاكي اللبناني ومحاولات الالتفاف على الواقع والوقائع.

أما الالتفاتة البالغة الدلالة في الخطاب، فقد تمثلت في استهلال حديث نصرالله، بإدانة الجريمة الارهابية التي تعرّض لها أقباط مصريون في ليبيا. وهذه رسالة إيجابية من «حزب الله» لمصر وشعبها ودولتها وجيشها، وإعلان تضامن معها في ظلّ الهجمة الارهابية التي تتعرّض لها، وبطبيعة الحال هي موقف متقدّم للحزب حيال الدولة المصرية سوف تحمل الايام مزيداً منه في ظلّ حال خلط الاوراق التي تعيشها المنطقة.