IMLebanon

أنوار القصر قبل نظام الأسد

 

ليس من عادة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان تنميق كلامه. طبعه الحاد وتصريحاته النارية صارت صفة ملازمة لمواقفه. من استعراضه الشهير في منتدى دافوس وصولاً اخيراً الى فتواه بعدم المساواة بين الرجل والمرأة، غالباً ما اثارت مواقف الرجل القوي في تركيا جدلاً. ولكن عندما استقبل الاثنين ضيفا يفترض ان يمثل استفزازاً لطموحاته في المنطقة لم تبدُ عليه أيّ من إمارات الغضب، وبدا في منتهى الهدوء.

لقاء الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان يمثل مرآة حقيقية لشوائب القيادة التركية القائمة على سياسة خارجية أساسها الايديولوجيا والغضب واقتصاد عماده البراغماتية المطلقة. فالزعيم التركي الغضوب دوماً لم يجد الاثنين مبرراً لانتقاد السياسة الروسية حيال سوريا، هو الذي شن عقب زيارة نائب الرئيس الاميركي جو بايدن لبلاده هجوماً عنيفا على “وقاحة” أميركا لانها “وقفت صامتة أمام وحشية نظام بشار الأسد”.

منذ ثلاث سنوات ونصف سنة تتفرّج أميركا على نظام يدك شعبه بالنار والبارود، متذرعة حيناً بعدم وجود بديل واحياناً بالخوف من الاسلاميين. غير ان موسكو لم تكن تضطلع بدور الدفاع المدني، ولا كانت مراقباً محايداً في هذا النزاع، بل هي غذته بمدها النظام بالاسلحة ووقوفها سداً أمام أي محاولة لايجاد حل سياسي لا يضمن بقاء حليفها.

كان يمكن دولة كتركيا، عضواً في حلف شمال الاطلسي وتربطها علاقات اقتصادية قوية بروسيا، أن تضطلع بدور وسيط مهم في الحرب الباردة الجديدة الدائرة بين واشنطن وموسكو على خلفية الازمة السورية، الا أنها ارتأت اعتماد سياسة خارجية تحركها الايديولوجيا والغضب. وحتى عندما قرر المجتمع الدولي معاقبة موسكو على ضمها شبه جزيرة القرم والحرب الاوكرانية، اختارت أنقرة الثأر من أوروبا، وها هي تحقق مكاسب كبيرة من فتح أبوابها أمام موسكو الباحثة عن أسواق جديدة بعيداً من دول الاتحاد الاوروبي، غير عابئة بوسم الغرب اياها بالازدواجية.

وعلى رغم المشاكل الاقتصادية لروسيا والناجمة عن العقوبات الدولية عليها وتراجع أسعار النفط، بدا اردوغان أضعف بكثير من أن يقف في وجه بوتين. أو حتى أن يكون منسجماً مع مواقفه السياسية امام ضيفه. الا أن تركيا التي تستورد القسم الاكبر من مواردها للطاقة من روسيا حققت مكاسب اقتصادية من الزيارة، مع زيادة امداداتها ثلاثة مليارات متر مكعب إضافية سنوياً من الغاز الروسي، مع خفض للأسعار وإمكان التعاون بين الجانبين في تشييد مركز لتصدير الغاز الى جنوب القارة، بعد الغاء مشروع “ساوث ستريم”.

نجح بوتين في تعبئة حليف جديد ضد أوروبا. أما أردوغان فلم يجرؤ حتى على توجيه مجرد لوم الى موسكو. بحساباته ربما، قد يكون ابقاء أنوار قصره الفسيح مضاءة أهم بكثير من استعداء بوتين بسبب الأسد أو تتار القرم أو أي شعب آخر.