Site icon IMLebanon

كمن يُطلق الرصاص على قدميه!

يشعر اللبنانيون، يوماً بعد يوم، بابتعاد الانتخابات أكثر فأكثر عن مواعيدها الدستورية في أيّار المقبل، وسط حالة من القلق والترقب عن واقع المرحلة الصعبة المقبلة، ومصير السلطة التشريعية في حال عدم صدور قانون بالتمديد «التقني» على الأقل، تفادياً للوقوع في مهاوي الفراغ.

بدا واضحاً في الأيام الأخيرة، أن العقدة لم تعد تقتصر على حصة كل طرف سياسي أو حزبي من المقاعد النيابية وحسب، بقدر ما تحوّلت إلى حسابات أكبر، وعلى مستوى لمن تكون الأكثرية في المجلس النيابي العتيد، وما هي ألوان نسيج التحالفات المتوقعة، وهل تبقى على وضعها الراهن، أم هي مقبلة على تغييرات ذات مدلولات محلية وإقليمية معينة؟

ومما زاد تداخل هذه العوامل تعقيداً في النقاشات المحتدمة حول ماهية قانون الانتخاب الجديد، تمسّك الأطراف السياسية الرئيسية بمواقفها المعلنة، إلى درجة أصبحت فيها أسيرة تلك المواقف، وبالتالي استصعاب البحث في إمكانيات تدوير الزوايا، أو على الأقل تخفيف التمسك بمتاريس تباعد بين الطروحات على طاولة النقاش، ولا تساعد على تقريب وجهات النظر.

مبادرة رئيس «اللقاء الديمقراطي» وليد جنبلاط بإعلان الاكتفاء من القانون المنتظر ضم قضاءي عاليه والشوف في دائرة انتخابية واحدة، لم يُقابَل بخطوات مماثلة من الأطراف السياسية الأخرى، باستثناء تيّار المستقبل الذي يحرص رئيسه سعد الحريري على مراعاة وضع ومطالب الحليف الجنبلاطي، ولو اقتضى الأمر تحمّل بعض «التضحيات» الانتخابية.

وفي هذا الإطار بالذات، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لعلنا لا نذيع سراً إذا استشهدنا بالرواية التالية:

جاء وزير داخلية سابق إلى الرئيس الحريري، وأبلغه أن ضم قضاءي عاليه والشوف في دائرة انتخابية واحدة يضاعف عدد الناخبين الدروز والمسيحيين مرتين، بما يصل إلى أكثر من مائة ألف صوت لكل منهما، في حين يُبقي على الخمسين ألف صوت فقط للناخبين السنة، وهو العدد الحالي في دائرة الشوف!

وكان ردّ الحريري الفوري: المهم أن نسهّل الأمور ونتفق على قانون انتخاب… وأنا لست قلقاً على فعالية الصوت السني.

* * *

هذه الواقعة، بمفهومها الوطني وأبعادها السياسية، تدلل على الطريق التي تؤدي إلى المخارج المقبولة، والأكثر توازناً، لإنهاء هذه الدوامة المربكة، والتي أصبحت محرجة للجميع، لا سيما للعهد الجديد، والوصول إلى صيغة معقولة لقانون انتخابي جديد.

وإذا رجعنا إلى نظرية «أم الصبيّ»، فإن فريق رئيس الجمهورية هو أوْلى من يتحمّل هذه المسؤولية بالنسبة لتسهيل التوصل إلى توافق على قانون الانتخاب، وإجراء الانتخابات في أقرب فرصة ممكنة، بعد تعذر حصولها في أيار المقبل، وذلك من باب الحرص على استدراك التأخير الحاصل حالياً في انطلاقة العهد.

أما الإصرار على التهديد بالذهاب إلى الفراغ بعد انتهاء ولاية المجلس الحالي، بحجة رفض التمديد، فيبقى كمن يحاول إطلاق الرصاص على قدميه، الأمر الذي سيزيد الأمور تعقيداً، ويتحوّل النقاش السياسي إلى ما يشبه مواجهة العناد بالمعاندة، مع كل ما يجر ذلك على البلد من ويلات الجميع بغنى عنها!