هل من تنافس روسي إيراني حول سوريا، وحول الجهة التي تفرض نفسها كمحاوِر مع الغرب وتكون داعمة وقريبة من النظام السوري؟
مصادر ديبلوماسية قريبة من موسكو تؤكد أنّ هناك تنسيقاً وتكاملاً بين الدورَين الروسي والإيراني في سوريا من أجل منع سقوط الدولة السورية ومحاربة الإرهاب، والاتفاق النووي. وعلى الرغم من أنّ موسكو ساهمت في إنجازه كثيراً، لكنها ليست مرتاحة لما يمكن أن تكون عليه بعض تداعياته، حيث أنّ هناك مصالح ستتشابك ومن بينها أسعار النفط. إذ أنّه إذا بدأت إيران تبيع النفط بعد إزالة عزلتها الدولية، سيساهم الأمر بخفض سعره عالمياً، وهذا ليس لمصلحة الاقتصاد الروسي ولن يريح موسكو. وفي المقابل فإنّ الدور المتنامي لروسيا في الشرق الأوسط لن يكون مصدر راحة لإيران، لأنّه سيكون في مكان ما على حساب الدور الإيراني. إنّما التدخّل الروسي العسكري جاء بعد فشل إيران و»حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية، والإيرانية الأخرى، في حماية النظام السوري وفي أن تضعه في مصاف الفريق الرابح في سوريا، أو الفريق المتقدّم على ما عداه من أفرقاء. خسر النظام أراضي، وزادت الضغوط عليه، وثبت عدم قدرة إيران على تعديل موازين القوى التي كانت موجودة.
وتشير المصادر إلى أنّ التنافس هو بين واشنطن وموسكو حول ملفات المنطقة بما فيها السوري، وأنّ روسيا لم تعد لاعباً ثانوياً وهي تفرض شروطها على العالم.
منذ الاجتماع الثاني في فيينا بدأت إيران تشارك الدول في النقاش حول الحل في سوريا، فيما الاجتماع الأوّل لم يحرج الروس كما لم يُزعجهم عدم دعوة إيران له، ما يؤكد أنّها، أي روسيا، تمسك الملف السوري أكثر من أي وقت مضى. وإمساك الروس بالملف جيداً يعود إلى فشل إيران بقواها الذاتية في حماية النظام، ولا يعود إلى انعكاسات الاتفاق النووي على سلوك إيران في الملف السوري أو ملفات المنطقة، مع أنّ التوقّعات تشير إلى إمكان تأثير ذلك لاحقاً على الملفات من خلال طبيعة التسويات التي ينتظر أن تتم.
مصادر ديبلوماسية أخرى قريبة من الأوروبيين تقول إنّ اتخاذ روسيا الصدارة في التفاوض مع الغرب، لا يعني أنّ إيران وُضعت على جنب. إنّما هناك تنسيق روسي إيراني على مستوى وثيق ظهر من خلال التمسّك بالطروح في اجتماع فيينا الثاني الذي شاركت فيه إيران. والأبرز مرحلة انتقالية بوجود الأسد فيها تنتهي بانتخابات يحق له الترشّح لها. ثمّ أنّ الأميركيين يرتاحون أكثر للتفاوض مع الروس على الرغم من وجود الاتفاق النووي وتطوُّر العلاقات الغربية الإيرانية. كذلك هناك نقاش سعودي روسي حول سوريا، تبدو روسيا فيه على تنسيق في حدّ ما مع الخليج، في وقت أنّ العلاقات السعودية الإيرانية في أسوأ حالاتها. فلم تتغيّر سياسة إيران مع المملكة، ولم تثبت أيضاً إيجابية مطلوبة من الغرب في تعاملها مع العديد من ملفات المنطقة بما فيها اللبناني. كذلك انّ الروس باتوا على الأرض ولو من خلال ضربات الجو، لكن المساعدة الروسية طلبها النظام وإيران.
وبالتالي، تفيد المصادر بأنّ التعويل على أي خلاف في مرحلة التفاوض هذه حول سوريا ليس واقعياً، بل على العكس، فإنّ مواقفهما متطابقة تماماً. قد يكون هناك تفاوت في وجهات النظر في قضايا عامة استراتيجية أو مصالح متناقضة، لكن حتى الآن في كل مراحل التفاوض حول سوريا، هما متفقتان على الخطوات كافة، ولا خلاف متوقعاً، حتى أنّه منذ بداية الأزمة السورية لم يحصل تناقض بين الطرفَين الروسي والإيراني.
لكن هل من بوادر لحصول مكتسبات واضحة للنظام بناء على الدعمَين الروسي والإيراني؟
تقول المصادر القريبة من الأوروبيين، إنّه من جراء الدعم الجوّي الروسي تمكّن النظام من الحصول على عدد قليل من القرى. والتقدّم من جراء التدخّل الروسي كان بطيئاً ولم يكن أحد يتوقع هذا البطء، حيث لم تسترد مناطق كثيرة وبسرعة، كذلك تسلّمت المعارضة السورية أسلحة يبدو أنّها كانت نوعية، الأمر الذي لم يؤدِ إلى انتصار سريع وساحق. النتائج على الأرض مرهونة بمدى صمود المعارضة على النحو الذي لا تزال تصمد، حيث خسائرها محدودة.
ليس لمصلحة الروس البقاء طويلاً في سوريا، ويتوقع أنّهم مُقبلون على مرحلة لا يمكنهم معها معرفة ما سيفعلون، هناك كلفة كبيرة مالية عليهم. كما أنّ لديهم قلقاً بالغاً من عمليات ضدّهم ترتدّ عليهم، وبالتالي الاستراتيجية المتّصلة غير واضحة تماماً، وما إذا كانت ستتوّج بحل سياسي أم لا. ثمّ أنّ وضع اقتصادهم دقيق جداً، فضلاً عن أنّ الضرب من الجو يؤثّر لكن الحاجة هي إلى قوات على الأرض لتُحدث تغييراً في الواقع. التحالف الدولي لضرب الإرهاب يواجه معضلة أنّ «داعش» بات يتأقلم مع ضرباته ويعرف كيف يخبئ عناصره. الضربات الجوّية مؤثرة، لكن لم تؤدِ إلى تقدّم على الأرض.