يشكّل معمل الزوق الحراري علامة فارقة في الاهمال المتمادي الذي تعرّض له أبناء المنطقة المجاورة له، والذي امتد عشرات السنين، ولا يزال قائما رغم التحسينات الشكلية التي يُفترض انها خفّفت من حجم الأضرار الصحية والبيئية.
تعتبر بلدية زوق مكايل المعني الاول بملف معمل الذوق الحريري، الذي يقع في نطاقها الجغرافي البلدي. ولطالما كانت علاقة البلدية مع مؤسسة كهرباء لبنان بمثابة مد وجزر بسبب الاضرار الصحية والبيئية التي يبثها المعمل القديم.
بالمناسبة، يبلغ عمر المعمل الاساسي 61 عاما، وقد دشنه الرئيس الراحل كميل شمعون في 19 كانون الثاني من العام 1956 كمحطة لتوليد الكهرباء على البخار.
خدم المعمل عسكريته، لكن الفوضى أدّت الى استمرار المجموعات في العمل رغم تحوّلها مع الوقت الى آلة للموت، تنتج القليل من الطاقة مقابل الكثير من الفيول اويل.
مع الوقت والتجاذبات ومحاولات بلدية الزوق وضع حد للمأساة التي واجهها ابناء المنطقة، وتمثلت في ارتفاع نسبة الاصابات بالسرطان، أصدرت البلدية في العام 2015 ما عُرف باسم «الملف الاسود» الذي اختصر المعاناة تاريخيا وتوثيقا لجهود ذهبت في مهب الريح.
التسوية
في 11 آذار 2016، أي قبل حوالي سنة، وفي عهد رئيس البلدية السابق ابراهيم حداد، تمّ التوصل الى تسوية بتعاون وزير الطاقة السابق ارتيور نظاريان ورئيس اتحاد بلديات كسروان الفتوح نهاد نوفل ومدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك قضت برسم خريطة طريق من خلال اتخاذ اجراءات عاجلة على المدى المتوسط وعلى المدى الأبعد اهمها:
في الاجراءات العاجلة:
نصّت المادة الاولى من الاتفاق على المعالجة الكيميائية الفورية للفيول اويل تخفيضا لانبعاثات الملوثات والرماد على انواعه. ونصّت على تحسين نوعية الفيول… وتركيب اجهزة قياس الاوكسيجين في الدخان مقدمة لقياس عملية الحريق وانبعاثاته.
وفصلت المادة الاولى تأمين الصيانة اليومية، واكدت مطلب بلدية زوق مكايل في دراسة الاثر البيئي في البناء الجديد في المعمل.
على المدى المتوسط
نصّ الاتفاق على الزامية تأمين مجلس الوزراء الموارد المالية لتجديد وحدات الانتاج وتحديثها وتركيب فلاتر… وما الى ذلك.
على المدى الأبعد
دعا الاتفاق الى انشاء محطة عائمة للغاز السائل قبالة معمل الزوق لتشغيل المعمل الجديد على الغاز الطبيعي الاكثر ملاءمة للبيئة.
بحكم هذا الاتفاق يحق لبلدية زوق مكايل الدخول الى معمل الكهرباء برفقة متخصصين والتنسيق مع ادارة المعمل لمراقبة التطور البيئي انطلاقا مما أُنجز من اجراءات.
لكن بلدية الزوق لم تستخدم هذا الحق حتى الان، حسبما أوضح رئيس بلدية الذوق ايلي بعينو الذي شارك في مناقشات المؤتمر التنموي لبلديات كسروان الفتوح الذي عقد في معراب.
وأوضح لـ«الجمهورية» ان البلدية لم تستعمل حتى الساعة حقها لثقتها بقياديتي وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان ولكن هذا لا يعني ان البلدية تهمل، وهي تُمهل ولكن ليس لوقت طويل.
يقول بعينو: ان معمل الذوق الحراري يتألف حاليا من اربع مجموعات، موضحا ان هذه المجموعات الحرارية، تعمل على الفيول اويل المستورد وفقاً لعقود ومواصفات وضعتها وزارة الطاقة، ومن شروطها ان يكون معدل الكبريت في التركيبة الكيميائية للفيول اقل من 1%.
وفي حال كانت النوعية المشحونة غير مطابقة، أي ان نسبة الكبريت أكثر من 1%، يدفع المتعهد رسم جزاء، كما جاء في العقد، وبرغم وضوح هذه المواصفات والشروط، يتم تفريغ حمولة الباخرة، ويتم حرق الفيول اويل المستورد مهما كانت النوعية.
تابع: ان مؤسسة كهرباء لبنان تشغل بنفسها معمل الذوق صيانة واستثمارا بعكس المعامل الاخرى في لبنان كمعامل دير عمار والزهراني حيث يتم تلزيم الصيانة والاستثمار فيها الى شركات اجنبية تلتزم المعايير، فنرى فرقا شاسعا في الحفاظ على الجودة والصيانة بين المعامل المذكورة وبين معمل الذوق وهذه المقارنة بين المعامل الانتاجية تبدو مشروعة ومستغربة في آن واحد.
صحيح انه في العام 1994 تمّ تأهيل معمل الزوق للمرة الاولى بواسطة الشركة المصنّعة مما حسّن نظام الحريق يومها بعد ترديه.
وبعد مضي 16 سنة اي سنة 2010، وبسبب عدم توفر الاعتمادات اللازمة للتأهيل، وتأمين قطع الغيار اللازمة لمعمل الزوق، ظهرت معادلة خطيرة جديدة تمثلت بارتفاع نسبة مصروف الفيول لانتاج الطاقة وقد لامس الاستهلاك 285 g بدلا من 200 g/kwh بسبب الترهل لذلك، تم استدراج عروض لتأهيل المعمل ضمن خطة الوزارة.
تابع بعينو: لسد الفراغ خلال مرحلة التأهيل المفترضة، تم التوافق على استئجار باخرة (Fatima Gul Sultan) لمدة مؤقتة لتأمين انتاج الطاقة البديلة بنسبة 170 MW .
وفي سنة 2012، لم يتم عقد صفقة تأهيل معمل الزوق بسبب الخلافات، فاصبح موضوع الباخرة المستأجرة والراسية في حوض معمل الزوق مصدرا الزاميا وضروريا لتأمين الطاقة.
وفي هذه السنة ايضا، قامت وزارة الطاقة بتلزيم تركيب معمل جديد صديق للبيئة الى الشركة الدانماركية BWSC يعمل بواسطة المحركات العكسية على Heavy Fuel Oil بقوة 194 MW وقد انجز هذا المعمل سنة 2016 ، ولم يتم وضعه في الخدمة لغاية اليوم.
وفي سنة 2016 ايضا، تم تمديد عقد استجرار الطاقة من الباخرة Fatima Gul بقوة 270 MW بعد اضافة 100 MW بعقد جديد.
جدير بالذكر ايضا ان المجموعات الاربع القديمة الموضوعة في الخدمة منذ 1984-1987 والعاملة لغاية اليوم والتي من المفترض ان يبلغ مجموع قوتها الانتاجية 605 MW قد تدنت قدراتها الانتاجية الى 350 MW بسبب الترهل والقدم والاستهلاك.
في المقابل، يُشار الى ان كلفة تركيب فلاتر او مصافٍ فعالة مع صيانتها الدورية هي باهظة جدا وتوازي كلفة ما يزيد عن نصف معمل جديد.
في ضوء ما تقدم، يشير رئيس بلدية الزوق الى ان المطلوب بإلحاح اليوم استبدال المعمل القديم المترهل بآخر جديد حديث وبقوة انتاجية كافية لسد حاجات المنطقة وفقا للمواصفات العالمية يكون صديقا للبيئة اسوة بمعمل دير عمار 2 الذي يعمل بواسطة الغاز الطبيعي او Diesel Oil (المازوت) بدل الفيول اويل من اجل تخفيض الانبعاثات، علما بأن كلفة الغاز الطبيعي هي بحدود 50$/ الطن الواحد اما كلفة المازوت والفيول اويل هي بحدود /500/$ الطن الواحد والفرق بين سعريهما لا يتعدى 15$/الطن الواحد بحيث ان انبعاثات المازوت او الغاز الطبيعي اقل بكثير من انبعاثات الفيول.
لكن، ومع الاسف، أثبتت الدولة اللبنانية على مر السنين عدم أهليتها وكعادتها بإدارة ملف الكهرباء بالشكل الحسن بسبب المهاترات والتجاذبات السياسية، وقد حان الوقت للخروج من الشرنقة الخانقة بعدما تعالت الاصوات القيادية لخصخصة قطاع الانتاج وتحرير قطاع الطاقة.
في محاولة جادة للمساعدة على تنشيط الدورة الاقتصادية ومساعدة المؤسسات الصناعية والتجارية وكافة قطاعات الانتاج بمنح المواطن كهرباء 24 ساعة على 24 الهدف توفير مبالغ طائلة على الدولة ناتجة عن الهدر والاهمال اقله حوالي مليار دولار سنويا وتخفيف الكلفة عن كاهل المواطن العادي من دفع فاتورة الكهرباء مضاعفة بين الدولة والمولد