IMLebanon

المكاسب المحدودة للنظام لا تغيّر شروط التفاوض وقدرة روسيا على إدارة وفد الأسد محور ترقب

أعلنت الامم المتحدة يوم الاربعاء الماضي في 13 من الجاري أنها تسعى الى جمع تبرعات بقيمة 7,7 مليارات دولار لإغاثة ما يقارب 18 مليون سوري، 13,5 مليونا منهم داخل سوريا نزحوا بين مناطقها، و4,7 ملايين خارجها، أي ما مجموعه 18 مليونا من أصل 22,5 مليونا أفادت الاحصاءات انه عدد سكان سوريا، عقب بدء قوات النظام السوري قمع التظاهرات المناهضة لبشار الاسد في آذار 2011. هذه الارقام وحدها كفيلة بكشف ما أصبحت عليه حال سوريا واقعيا، في موازاة الكشف عن وضع مخيف في مضايا التي يحاصرها النظام وحلفاؤه من الميليشيات الشيعية، وفقا للوكالات الانسانية الدولية، علما أن هناك قرارات دولية عدة صادرة عن مجلس الامن الدولي هي القرارات 2165 و2191 و2258، تسمح للامم المتحدة بتمرير المساعدات من دون موافقة النظام، الذي على رغم وصف الامين العام للامم المتحدة بان كي- مون تجويع مضايا بأنه جريمة حرب، لا يزال بعيدا عن الاتهام المباشر بهذه الجريمة، حرصا على عدم انهيار المفاوضات المرتقبة في 25 من الجاري قبل بدئها، وذلك وفق المنطق الديبلوماسي. لكن السؤال الذي يبرز مع الاستعدادات لبدء التفاوض حول خريطة الطريق للحل السوري، وفي ظل غض النظر عن هذه الارتكابات – وهي ليست الاولى – باعتبار انه سبق لبان كي – مون ان استخدم هذا التعبير في محطات عدة، هو هل هناك استعداد لإنجاح القرار 2254 المتصل بهذه الخطة، أم أنه مجرد مخاض لا جدوى منه عشية رفع روسيا سقف شروطها، ومطالبتها بتعديل وفد المعارضة السورية الى المفاوضات على نحو يفخخ وفد المعارضة؟

لا تنفي مصادر ديبلوماسية اجنبية في بيروت أن تحسنا طفيفا طرأ على وضع النظام السوري منذ دخول روسيا عسكريا أواخر ايلول من أجل منع سقوطه، إلا أنه ليس بالتحسن الذي يوحي بانقلاب الامور لمصلحته حتى الآن. وعلى رغم أن الوضع الميداني يساهم في تعزيز الاوراق على طاولة التفاوض، فإن ما حصل حتى الآن لا يغير شروط هذا التفاوض الذي ينبغي أن يؤدي الى مرحلة انتقالية تمهد لخروج بشار الاسد من السلطة، لأن لا تحولات جذرية أو كبيرة حصلت بما يساهم في تغيير ما اتفق عليه. فما استعادته قوات النظام في الاونة الاخيرة لا يعتد به فعليا، قياسا بمناطق استراتيجية خسرها العام الماضي. وتبدي هذه المصادر اقتناعا بأن من مصلحة روسيا دعم التوجه الى حل سياسي، لأن الخيار البديل بالنسبة اليها في ظل عجز النظام وقواته عن استرجاع مناطق أساسية خسرها عام 2015، على رغم الدعم الايراني والشيعي على الارض، سيكون زيادة الانخراط العسكري الروسي من أجل اعادة تمكين النظام من استعادة بعض الاراضي، مع ما لذلك من محاذير، وان يكن الأمر لا يعني فعلا تمكين الاسد من الحكم أو المساعدة فعلا في التوصل الى حل سياسي. ومع أن هذه المصادر تقر بأن روسيا تبقي ورقة موقفها الحقيقي من النظام مضمرة حتى الان على رغم ما تثيره التصريحات الروسية من تكهنات، فإنها ترجح ان يكون من مصلحة روسيا دعم التوصل الى حل سياسي، وإن من دون استبعاد محاولة مساعدة النظام كسب المزيد على الارض وإمكان نيله موافقة السوريين لاحقا. وبحسب هذه المصادر، فإن القرار 2254 لم يكن ليتحول قرارا في مجلس الامن يحتمل تنفيذه، لولا التوافق الاميركي- الروسي السابق للموافقة على هذا القرار. إذ إن ما يتم الاتفاق عليه بين واشنطن وروسيا هو الذي ينقل فعلا في مرحلة لاحقة الى مجلس الامن، وليس الاتفاق في المجلس نفسه.

ومع أن المخاوف كبيرة لدى مراقبين كثر من أن يؤثر التوتر السعودي – الايراني الذي تفاقم في الاسابيع الاخيرة على المفاوضات المرتقبة، على رغم الضمانات التي تلقاها الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دو مسيتورا من الجانبين، فإن الايام المقبلة هي التي يمكن أن تشهد على مدى جدية الطرفين وتعاونهما. ولكن التركيز الحقيقي سيكون خصوصا على مدى الجدية الروسية أيضا، وفقا لهذه المصادر، استنادا الى جملة مؤشرات من بينها تعديل روسيا موقفها من وفد المعارضة التي تريد ان تحدده وفق معيارها، فيما تقول ان تقرير مصير سوريا والنظام يعود الى السوريين أنفسهم. وهذا ما سيتضح في الاجتماع بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة في 20 من الجاري. لكن المؤشرات الحقيقية التي ستكون محل متابعة، تتصل بما إذا كانت روسيا ستمارس ضغوطها على الوفد الذي يمثل بشار الاسد، من أجل عدم السعي الى إفشال جلسات التفاوض، كما فعل في مؤتمر جنيف 2، او ان ثمة مرونة سيبديها الاسد بإبداء الرغبة في التعاون على نحو جدي من أجل الذهاب الى الحل السياسي، وخصوصا أن من يعرف النظام يدرك استحالة تعاونه ما لم تضغط روسيا، في حين أن مراقبين كثرا في المنطقة، وعلى غير ما تذهب اليه المصادر الديبلوماسية الغربية، تحكم سلفا على نحو تشاؤمي على هذا المسار، بناء على معرفة وثيقة بالنظام السوري واقتناع بأن روسيا تكسب الوقت عبر مسار الحل السياسي من أجل إعادة تمكينه، في ظل تعب اعترى الغرب من الوضع السوري، فيما الدول الاقليمية المنخرطة في الحرب السورية منهكة بدورها.