الشيء الإيجابي الوحيد في كل السياسة الأميركية حيال الملف السوري، أنها لا تنوي تحويل سوريا بدورها الى جبهة مواجهة بين موسكو والغرب على غرار ما هو حاصل في أوكرانيا. أبداً. ولا تنوي تحويل سوريا الى عنوان تلاقٍ بين موسكو والغرب في موازنة ما هو حاصل في أوكرانيا. السياسة الأميركية في سوريا رغم كارثيتها، فيها شيء إيجابي أساسي: لا ترى السياسة الروسية في الشرق الأوسط. تتعامل مع وقائع هذه السياسة كمعطى ينتمي الى زمان آخر.
في المقابل، الشيء الإيجابي في كل السياسة الروسية حيال سوريا، على كارثيتها، في أنّها سياسة تحاول فيها موسكو، بشكل فيه إجهاد وعسرة، أن تحاكي الدور الذي كانت تلعبه واشنطن في مرحلة سابقة، لكن هذه المرة من دون عدّة اللعب الكافية. إذا كانت واشنطن عاجزة عن ضرب تنظيم «الدولة الإسلامية»، وجاءت حربها اللابرّية عليه، لترسّخ سيطرته واقعاً مزمناً على مناطق بأسرها، وعدد كبير من سكان سوريا والعراق، فإن التدخل العسكري الروسي سيضطر بدوره الى التباطؤ أسبوعاً بعد أسبوع، ولن يحقق شيئاً نوعياً أياً كان بنك الأهداف الذي سيختاره. الأمر نفسه بالنسبة الى العملية السياسية: إذا كانت واشنطن عاجزة عن مواكبتها، كذلك الثنائي الروسي – الأميركي، فإن موسكو بمفردها أيضاً عاجزة عن إنجاح أي انتقال من الصراع العسكري الى التسوية السياسية. طبيعي أن يشتهي أخصام النظام السوري أن تقوم موسكو نفسها الذين يستهجنون تدخلها العسكري، بسحب بشار الأسد من سوريا، وموسكو بدورها تدغدغ هذا المشتهى، بل الطاغية السوري نفسه أيضاً يفعل. لكن لا شيء في الوارد حالياً بهذا الصدد، ولا في الإمكان. تقاتل موسكو لتطيل عمر النظام الأسدي يوماً بيوم، لكنها لا تملك استراتيجية نهائية، لا حرباً ولا سلماً. تجهد موسكو لتظهر كواشنطن في أيام العز، لكنها لا تملك المفاتيح والدفاتر، لا حرباً ولا سلماً.
بالتأكيد، التدخل الروسي يكبّل حرية الحركة بالنسبة الى التدخل الإيراني، لكنه لا يشطبه ولا يروّضه. قوة التدخل الإيراني واللبناني – الإيراني أنه برّي، وأنه بواسطة «حزب الله» يستخدم تشكيلات قتالية في حرب العصابات ضد تشكيلات قتالية في حرب العصابات أيضاً: «غيريللا» و»كونترا غيريللا». قوة التدخل الإيراني الأيديولوجية أيضاً لا يُستهان بها، كونها تربط الصراع في سوريا بصراع بين «إسلامين»، ولو كانت الهوة بين «إسلام الثورة الإيرانية» وبين «إسلام حزب البعث» هوة سحيقة.
لأجل ذلك، التدخل الروسي يبدأ طنّاناً رنّاناً، ويتحول بسرعة الى خبر غير أساسي. ليس نجاح هذا التدخل هو الذي سيُسهم في الحل السياسي، إنما ورطة هذا التدخل، التي تضاف إلى ورطة اللا تدخل الأميركي تجاه النظام السوري، وورطة الحرب اللابرّية ضد «تنظيم الدولة« بلا طائل.
ورطة هذا التدخل لا تحتاج لوقت كثير لإظهارها. أما الاستعجال بتعداد الشواهد على انطلاقة العملية السياسية من موسكو ففيه تسرّع. ليست كل رغبات موسكو، الحربية أو السلمية، أوامر، بالنسبة الى سوريا. التدخل الروسي محدود النتائج عسكرياً. محدوديته هذه ستعطي زاداً إضافياً للسعي وراء الحل السياسي. هذا الزاد محدود بدوره.