Site icon IMLebanon

اصطفافا 8 و14 آذار هل ما زالا حاجة بعدما صارت حسابات مكوّناتهما أكبر؟

مع تداعيات “انتفاضة” التيار البرتقالي وتفاعلاتها في الآونة الأخيرة طفت على السطح جملة مؤشرات وتحولات في المواقف والسلوكيات السياسية دفعت المراقبين المعنيين الى طرح السؤال عن امكان أن يظل اصطفافا 8 و14 آذار الموجودان منذ نحو عقد من الزمن مستمرين بشكلهما المعروف وخطابهما السياسي المألوف؟ واستطراداً ما اذا كان كل منهما لا يزال قادراً على استيعاب تطلعات مكوناتهما بعد ما كبرت احلامهما متجاوزة حسابات الخطوط الحمر والمعتادة منذ زمن بعيد؟

لعل من أبرز هذه المؤشرات والتحولات:

– الخلاف القائم بين رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري حول ما يقرب من 90 في المئة من الملفات الداخلية المثارة، وكانت ذروتها وقوف الرئيس بري الى جانب الفريق الحكومي والسياسي المناهض لانتفاضة عون الأخيرة.

– التباين الذي برز بين عون من جهة ورئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية من جهة أخرى حول مسألتي طرح الفيديرالية والتعرض لصلاحيات رئاسة الحكومة، وهو تباين أصر فرنجية على اشهاره عبر مؤتمره الصحافي أخيراً.

– “اعلان النيات” بين حزب “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” والذي انطوى من جملة ما انطوى عليه من معان وأبعاد على ضيق طرفيه من واقع اصطفافهما الحالي ورغبتهما في فتح صفحة جديدة تضع حداً لتحميل خلافاتهما حصراً وزر عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

– رصدت دوائر معنية في قوى 8 آذار رسائل ضمنية في مواقف وتصريحات أخيرة لرئيس حزب “القوات” سمير جعجع تنطوي على أن الرجل في صدد الاستعداد لتبني طروحات سياسية جديد والانطلاق، عاجلاً أم آجلاً، في ركاب مرحلة مختلفة عن المألوف المعروف.

– التمايز الذي يبديه حزب الكتائب عن “تيار المستقبل” في ما يتصل بفتح عقد تشريعي جديد لمجلس النواب.

من البديهي الاشارة الى أن طرح السؤال ليس مستجداً، فهو أثير في أكثر من محطة ومناسبة، ولكن الجلي ان التباينات المستجدة في داخل كلا الاصطفافين، ولا سيما بعد الانتفاضة البرتقالية الأخيرة، كانت على قدر لافت من الحدة والجدة على نحو دفع المراقبين الى الاستنتاج أن الاصطفافين الراسخين منذ زمن صارا لازمة ورقية ومادة للاعلام أكثر مما هما أمر آخر، وأنه يجري التذكير بهما في كل محطة من محطات الذكريات او الوقوف على اطلال مرحلة يراها أحد الطرفين أساسية ومفصلية بالنسبة الى ولادته ونموه لاحقاً.

– واذا كان البعض يرى أن من المبكر بلوغ استنتاج كهذا ومن ثم تعميمه والركون اليه معطى نهائياً، إلا أن اللافت ان قطبي الطرفين “تيار المستقبل” و”حزب الله” يبدوان في وضع المضطر الى بذل جهود استثنائية بين الفينة والأخرى لصون هذين الاطارين وتدعيمهما والحيلولة دون تصدّع بنيانهما وذلك نظراً الى حاجة كل منهما اليه.

وإذا كان ثمة من يدرج استنباط “المجلس الوطني لمستقلي 14 آذار” أخيراً وترئيس السيد سمير فرنجية عليه في خانة اعادة بعث الروح والتجديد في جسد هذا الاطار وايجاد فرصة عمل لبعض المنتسبين اليه والذين ملوا الجلوس على قارعة الانتظار، أو لتحاشي تهميشهم، وهذا في كل الاحوال وجه من وجوه الازمة الصامتة المستترة في هذا الاطار، الا أن الازمة تبدو أكبر داخل 8 آذار، مما يعني أنه يتعين على “حزب الله” العمل بعناية فائقة أمام كل استحقاق سياسي داهم لئلا ينفرط عقد هذا الاطار ويضحي أثراً بعد عين.

ولم يعد خافياً أن قوى 14 آذار ترى نفسها أنها تتحرك في مناخ أكثر راحة وأكثر ثقة بالنفس لاعتبارات عدة أبرزها ان هذا الفريق يعتبر نفسه من الأصل انه هو الفعل وان الطرف الآخر ظل ردة الفعل، فضلاً عن أن ثمة آليات تجمع مكونات هذا الفريق ونخبه، في حين أن فريق 8 آذار يفتقر الى هذه المزية واخفق تكراراً في ايجاد ولو اطار شكلي مماثل يكون جامعاً.

إضافة الى ذلك، ثمة ثغرة أكبر لدى 8 آذار وهي ان بامكان العماد عون وتياره ان لا ينسبوا أنفسهم الى هذا الفريق، فهم لم يكونوا في أصل نشأته بل كانوا في رحم سياسي مغاير وحافظوا على هذه الاستقلالية حتى بعد توقيع تفاهم كنيسة مار مخايل في الشياح بين التيار والحزب والذي كرّس تحولاً نهائياً للتيار.

وفي موازاة ذلك ثمة ثغرة أخرى عانى منها فريق 8 آذار وتتجسد في أن الرئيس بري كان سباقاً في التعبير عن رغبته في التحرر من هذا الاطار ومد خيوط العلاقة مع مكونات الفريق الآخر، لذلك كان رائداً في الدعوة الى فتح أبواب مرحلة سياسية جديدة انطلاقاً من أن الزمن والتطورات تخطيا الأطر المألوفة.

وثمة من يجد دليلاً آخر على ان الحسابات السياسية الخاصة لاطراف الاصطفافين تخطت الاصطفاف نفسه، وقد تجلى ذلك في ذهاب “تيار المستقبل” الى حواره المستدام مع “حزب الله” من دون أن يقف على خاطر شركائه في 14 آذار، وكذلك ذهاب “القوات اللبنانية” الى حوارات ورقة”اعلان النيات” مع التيار البرتقالي، مما اثار استياء ظل مكتوماً لدى شركاء “القوات” في “المستقبل” وحزب الكتائب.

ومهما يكن فالذين سبروا أغوار خطاب الرئيس سعد الحريري الأخير خرجوا باستنتاج فحواه ان الرجل لم يطلق مبادرة جادة ولم يقدم عرضاً يعتد به.

وعموماً فان كل الاطراف وفي مقدمهم القطبان الاساسيان، يتصرفان على أساس أن ثمة صورة مغايرة للمنطقة بعد اتفاق فيينا، وان ثمة حاجة الى وقت طويل نسبيا لتصل نتائجه الى ساحتنا.