إتسم لقاء الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري أول من أمس في القصر الجمهوري في بعبدا، وهو الثاني خلال اسبوع والأول بعد «فورة التجاذبات حول الصلاحيات، بايجابية لافتة، لم يكن متوقعاً ان تكون لولا شعور الرئاستين الاولى والثانية بأهمية ذلك، وضرورته الوطنية التي تتجاوز مصالح هذا الفريق او ذاك..
بادر الرئيس المكلف سعد الحريري الى الاتصال بالرئيس العماد عون وهو الذي اعتمد صيغة – «ربط نزاع» مع كل من يختلف معهم، فكان اتفاق على اللقاء الذي احيط بكثير من السيناريوات من قبل حصوله، وهي سيناريوات موزعة بين السلبية التي تقارب حد «كسر الجرة» بين بعبدا و»بيت الوسط» والوسطية، والايجابية المشروطة بعدم استحضار الموضوعات الخلافية وايقاظها من حيث اعتبر عديدون انها دفنت منذ «اتفاق الطائف».
السؤال الملح، الذي يضغط على لبنان واللبنانيين اليوم، – بعد اللقاء – هو، هل بدأت مسيرة حل العقد وازالة العقبات من طريق ولادة الحكومة، أم ان الطبخة لم تنضج كفاية بعد؟!
في قناعة عديدين من المتابعين عن قرب لمسار التأليف، أنه من السابق لاوانه الاجابة بـ»نعم» او بـ»لا» حاسمتين.. والايام القليلة المقبلة ستكون حافلة بالاتصالات والمشاورات من اجل حلحلة العقد، ومن بينها توزيع الحقائب «السيادية» الاربع (الدفاع والخارجية والداخلية والمالية )- وفق قاعدة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين – حيث حسم «الثنائي الشيعي» أمره كما و»المستقبل» ومسألة نائب رئيس الحكومة، كما وبعض الحقائب الرئيسية.. والسيناريوات في هذا تتعدد وتتنوع، على الرغم من تمسك الرئيس عون بنيابة رئاسة الحكومة، وباحدى الوزارتين، الدفاع او الخارجية، وتمسك الرئيس نبيه بري بالمالية، كما وتمسك الرئيس الحريري بالداخلية.. كما ومن بينها حل عقد «المناصفة» بين «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» وتمسك رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط بحصرية التمثيل الدرزي بالحقائب الثلاث.. خصوصاً اذا ما أقلع تماماً عن خيار تخفيض الحكومة الى 24 وزيراً، وهو أمر حسمه الرئيس الحريري مؤكداً أنها ستكون ثلاثينية..
ليس من شك في ان مبادرة الرئيس الحريري للقاء الرئيس عون في «عقر داره» في القصر الجمهوري لم تأتِ من فراغ.. وهو لم يغامر بهذه الزيارة ويداه فارغتان، حيث ان غير مصدر يؤكد بأن لقاءه الاخير مع رئيس «القوات» سمير جعجع لم يخلص الى لا شيء، بل على العكس من ذلك تماماً، حيث أودع جعجع الحريري رزمة خيارات لتسهيل عملية ولادة الحكومة، ولو من كيس «القوات»..» لكن بضمانة حريرية ان لا تكون «القوات» مهمشة، على ما يتطلع اليه أحد أبرز معارضيها المتمثل برئيس «التيار الحر» الوزير جبران باسيل، خصوصاً وان زيارة وزير الاعلام ملحم الرياشي الى القصر الجمهوري ولقائه الرئيس عون بطلب من جعجع لم تكن عفوية، او من باب الحرص فقط على «العلاقات الايجابية»، بل تأكيداً على الدور الايجابي الذي يمكن لـ»القوات» ان تقوم به على خط تسهيل ولادة الحكومة العتيدة؟!
لاحظ عديدون، ان مسألة التأليف، وإن لم تكن «لبنانية مئة في المئة» حيث العامل الخارجي دور بالغ الأهمية والتأثير فهي أيضاً موقوفة علي ما سيكون عليه «البيان الوزاري» المفترض، حيث لم يعد خافيا على أحد، ان الرئيس عون المتمسك بتمثيل وزير سني من خارج «المستقبل» ودرزي من خارج «اللقاء الديموقراطي»، فهي يعطي اولوية الاولويات لمسألة النازحين السوريين في لبنان.. وإذ يتفق الجميع على ايجاد حل لهذه المسألة، إلا أن أحداً لا ينكر الخلاف على طريقة الحل، أيكون عبر التواصل المباشر مع الحكومة السورية، على نحو ما يحصل عبر المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وانجز خطوات على هذا الخط، او يكون عبر المؤسسات الدولية المعنية بمسألة اللاجئين، او انتظار ما ستؤول اليه الاوضاع في الداخل السوري؟! وكان اتفاق على ارجاء بحث هذه المسألة الى ما بعد تأليف الحكومة، حيث ستكون المرحلة المقبلة حافلة بالعديد من الملفات الخافية، ومن بينها مسألة الصلاحيات الرئاسية؟!
لا أحد ينكر ان هناك متضررين من التقارب المنتعش بين الرئاستين الاولى والثالثة، وتحديداً بين عون والحريري.. وهؤلاء «المتضررون» ماضون في بث الحقن التشكيكية، حيث يؤكد هؤلاء ان «لا شيء اسمه «عهد».. هناك رئيس جمهورية، وهناك حكومة، وبعد الطائف الصلاحيات موجودة لدى الحكومة (مجتمعة) التي تتمثل فيها كل القوى السياسية..».
الواضح حتى اليوم، ان «الصيغة الثلاثينية» المعروفة بـ»حكومة الوحدة الوطنية» هي الصيغة الأوفر حظاً لتبصر النور.. وكل المعطيات تؤكد استحالة العبث بها في ظل الظروف الداخلية والخارجية التي تمر بها المنطقة.. حيث تؤكد الغالبية على ان الحكومة المرتقبة بعد الانتخابات النيابية الاخيرة، ينبغي ان تمثل فيها المكونات السياسية (وغير السياسية) المختلفة، بحسب أحجامها التي لم تعد غامضة او مبهمة، وقد كشفت عنها بوضوح نتائج الانتخابات».. ولا ينبغي ان تشكل «المطالب البعيدة المدى» عن هذه النتائج أي عقبات وعراقيل او الغام مفخخة وصعوبات تؤدي الى تعطيل تشكيل الحكومة او تأجيلها لوقت غير محدد على غرار ما حصل في مكونات سابقة.. مع اختلاف الظروف؟!