Site icon IMLebanon

«ربطُ نزاع» إنتخابي في دائرة بيروت الثانية

 

بعد الإنتهاء من «قوننة» التسوية السياسية في مجلس الوزراء، ستنصرف غالبيةُ القوى السياسية الى التحضيرِ للانْتخابات النيابية جدّياً، بعدما بات من شبه المؤكّد أن لا تمديدَ لمجلسِ النواب.

لم يستطع مجلس نواب الـ2009 كَسرَ الرقم القياسي بالتمديد والذي سجّله مجلس عام 1972، وقتها دخل لبنان في أتون حروب الآخرين على أرضه، وبدأ مسلسلُ التمديدات غير المتناهي، أما المجلسُ الحالي فقد سجّل مفارقةً عجيبة حيث مثّل بقاؤُه طوال هذه الفترة عاملَ إستقرارٍ حسبما روّج منظّرو التمديد.

وفي هذه الفترة مرّت كلُّ حروب العالم في المنطقة ولم تحطّ رحالَها في لبنان، وهذا أمرٌ يثيرُ الدهشةَ، في بلدٍ اعتاد أن يرقصَ مع كل نغمة تُعزَف من خلف البحار أو من الصحاري القريبة والبعيدة.

وللمفارَقة أيضاً، فإنّ المعاركَ الإنتخابية تُمثل حربَ المشاريع السياسية بين القوى المتخاصمة، لكنّ لبنان الجديد، أي لبنان ما بعد إستقالة الرئيس سعد الحريري والعودة عنها، سيشهد ظاهرةً غريبةً في بلد العجائب، هذه الظاهرة بدأت ملامحُها تظهر منذ إعلان الحريري اسْتقالتَه من الرياض وتكرّست لاحقاً طوال فترة غيابه، حيث أصبح «التيار الوطني الحرّ» و«حزب الله» وفريق «8 آذار» أبرز الداعمين للحريري وبات حاجةً بالنسبة إليه.

لا يمكن أن تمرّ في مناطق الطريق الجديدة، كورنيش المزرعة، الرملة البيضاء، الحمراء، ومعظم أحياء ما يُعرف ببيروت الغربية، إلّا أن تلحظ إرتفاعَ أسهم الحريري وتيار «المستقبل»، هذه الأسهمُ التي كانت متدنّيةً بعضَ الشيء في المرحلة السابقة. وتُعتبر هذه المناطق معقلَ «الحريرية السياسية» وكانت ستدور في رحابِها أشدّ المعارك الإنتخابية، لولا التطوّرات الأخيرة التي غيّرت اللعبة.

قسّم قانونُ الانتخاب الجديد بيروتَ إلى دائرتين، وتُعتبر الدائرةُ الثانية التي تضمّ 11 مقعداً وهم (6 سنّة، 2 شيعة، مسيحيان ودرزي واحد) مؤشّراً لمعرفة حضور تيار «المستقبل» في كلّ دوائر لبنان. وقبل إنقلاب المشهد السياسي، كان يُحكى عن لائحةٍ تضمّ «حزب الله» وحركة «أمل» وسنّة «8 آذار» وبعض الشخصيات المستقلّة لتقفَ في وجه لائحة الحريري، وكانت الحساباتُ الإنتخابية تشير إلى أنّ هذه اللائحة قادرةٌ على «تشليح»، «المستقبل»، 5 مقاعد.

ديموغرافياً، يُمثّل السنّة الثقلَ الأكبر في هذه الدائرة، إذ تضمّ نحو 220 ألف ناخب سنّي، لكنّ الجدير ذكره أنّ هناك نحو 70 ألف ناخب شيعي يصوّتون «بلوكاً» واحداً وقادرين على مدّ أيِّ لائحة بفائض من الأصوات، إضافةً الى وجود نحو 53 ألف ناخب مسيحي ونحو 6 آلاف ناخب درزي ينتمون في معظمهم الى الحزب التقدمي الاشتراكي، حليف الحريري.

ويدور الحديث في الأروقة البيروتية حالياً عن سيناريوهات عدة سيعتمدها فريق «8 آذار» و»التيار الوطني الحرّ» لتجنّب خوض معركة ضدّ الحريري في الدائرة التي تُعتبر عرينَه.

ومن السيناريوهات المحتمَلة، أن تتشكّل لوائحُ عدة تكون أبرزها لائحة تيار «المستقبل»، إضافة الى لائحة سنّة «8 آذار» وحلفائهم، من دون أن يدخلَ المكوّن الشيعي في مواجهة مباشرة أو يحشد من أجل «تشليح» الحريري عدداً لا بأس به من المقاعد. كذلك، فإنّه قد تتشكل لائحة تضمّ «المستقبل» وحلفاءَه ومرشحاً مسيحياً لـ«التيار الوطني الحرّ» مقابل لائحة «8 آذار»، فيعمد «حزب الله» الى توزيع أصواته بشكل لا يُغضب أحداً.

اما السيناريو الأقرب الى التطبيق والواقع، فهو تأليف لائحة تضمّ «المستقبل» و«التيار الوطني الحرّ» و»الاشتراكي» ومرشّحَ «أمل»، في إستعادة لما حصل في الدائرة الثانية السابقة في إنتخابات 2009، حيث تمّ تقاسمُ المقاعد الأربعة التي كانت مخصّصة لها بين «المستقبل» و«أمل» وحزب «الطاشناق»، وبالتالي قدّ تشكّل لائحةً تضمّ هذا التحالف العريض، فترشّح «أمل» شيعيّاً ويحتفظ الحريري بالشيعي الثاني من دون دخول مرشح لـ»حزب الله» لكي لا يُحرِج الحريري.

في حين أنّ أصوات «أمل» ستصبّ للّائحة ويمنحها «حزب الله» غالبية أصواته، وقد يمرّر بعضَ الأصوات لحلفائه السنّة في اللائحة المقابلة من دون ان يرجّح دفّتها، وتستطيع هذه اللائحة حصدَ 9 مقاعد على الأقل. وبهذه النتيجة يحافظ الحريري على وضعيّته في هذه الدائرة.

وبالنسبة الى تغيير بعض الأسماء والإستغناء عن نوابٍ حاليّين، فهذا أمرٌ يعود الى تيار «المستقبل»، حيث سيكون الحريري مجبَراً على التخلّي عن أحد نوابه المسيحيين في حال تحالف مع «التيار الوطني الحر»، في حين أنّ الأسماء السنّية خاضعة للميزان الداخلي ومقياس الربح والخسارة.

كلّ هذه السيناريوهات الإنتخابية واردة بعد التسوية الثانية، خصوصاً أنّ «حزب الله» لم يجهد يوماً لحفظ المقاعد، وبما أنّ التسوية السياسية ستحفظ مصالحَه الإستراتيجية فلا مانعَ عنده من تعويم «المستقبل»، في وقت يواجه هذا الأخير تحدّي إدارة معركته الإنتخابية بشكل يستطيع من خلاله ضبط التصويت وتقسيم أصواته التفضيلية، فيما يبدو أنّ سياسة ربط النزاع سائرة على قدم وساق، ومن أبرز خطوطها العريضة أن يصبحَ الحليفُ خصماً والخصمُ حليفاً.