أكثر من شهر مضى على تكليف الرئيس سعد الحريري والتشكيل الحكومي ما زال متعثراً رغم دفعة التفاؤل التي تبنتها أوساط الرئيس المكلف بين يوم وآخر، مطمئنة إلى أن الاتصالات مع القوى السياسية غير مقطوعة، وهي تعمل على كل الخطوط المفتوحة لتذليل العقد من طريق ولادة حكومة الوحدة الوطنية التي رفع الرئيس الأول شعارها غداة انتهائه من الاستشارات غير الملزمة متناسياً أن العلة في التأخير تكمن في خيار حكومة الوحدة الوطنية التي تعني قيام حكومة التناقضات ونقل الخصومات السياسية من ساحة النجمة المكان الصحيح له إلى داخل مجلس الوزراء.
وسواء نجح الرئيس المكلف في تخطي المطالب والمطالب المضادة، والشروط والشروط المضادة في مطالب الكتل النيابية وعلى الأرجح أنه سيتخطاها في نهاية المطاف وستبصر حكومته النور قبل عيد الميلاد على حدّ تمنيات المتفائلين أو بعد رأس السنة على حدّ تقدير المتشائمين على قاعدة ربط نزاع بين الموالين والمعارضين، كم حصل عندما شكلت حكومة الرئيس تمام سلام بعد أكثر من نصف سنة من الأخذ والرد وشد الحبال حتى خُيِّل للجميع أن لا حكومة على الإطلاق في ظل الانقسام العامودي العميق بين مشروعين يسيران على خطين متوازيين لا يلتقيان مهما حاول أصحاب القلوب الطيبة والنوايا الحسنة تقديم التنازلات والمراهنة على المصلحة العامة قبل المصالح الآنية والشخصية.
وعلى افتراض أن حسابات الرئيس المكلف جاءت في محلها، وأبصرت حكومة الوحدة الوطنية النور بعد ان ينجح في ربط النزاع من خصمه العنيد واللدود حزب الله، الأمر الذي لا يزال مستبعداً حتى الآن وإن كان حصل في اليومين المنصرمين بعض الليونة في موقف الحزب نتيجة تطمينات رئيس الجمهورية وتأكيداته بأنه لا يزال ملتزماً تفاهم مار مخايل ولن يؤثر انتخابه رئيساً للجمهورية على هذا الالتزام، وذلك لأن الرئيس برّي المفوض من الحزب ما زال متمسكاً بشروطه من اختيار الحقائب الوزارية له ولرئيس تيّار المردة إلى قانون الانتخابات وضرورة الاتفاق عليه ضمن المهلة الدستورية والقانونية التي تسمح باجراء الانتخابات النيابية في موعدها، ومن الصعب بل من المستحيل أن يلتزم بذلك الرئيس المكلف قبل الاتفاق على أي قانون للانتخابات وهل هو القانون النسبي أو القانون المختلط أو حتى القانون المعمول به حتى الآن، وما تمسك الرئيس برّي بشروطه بالنسبة الى توزيع الحقائب الا دليل على ان انفتاح حزب الله على التأليف لا يتعدى كونه مناورة ذكية اعتاد على ممارستها في كل مرّة يطرح فيها موضوع تشكيل الحكومة إلى ان يحصل على تعهد من الرئيس المكلف بعدم العودة الی نغمة النأي بالنفس وسلاح الميليشيات والمقصود هنا سلاح حزب الله، وغيرها من القضايا التي ينقسم حولها اللبنانيون منذ ان امتلك حزب الله السلاح وتحول إلى قوة إقليمية تشكّل امتداداً لدولة ولاية الفقيه في إيران.
نقول على افتراض ان الرئيس المكلف المتمسك بحكومة الوحدة الوطنية بالرغم من نصيحة صديقه وحليفه رئيس حزب القوات اللبنانية بوجب تطبيق النظام الديمقراطي – البرلماني في تشكيل الحكومة، وعدم الذهاب في متاهات حكومة الوحدة، نجح في عملية ربط النزاع وشكلت حكومته فهل يمكن لها ان تكون حكومة فاعلة تلبي طموحات العهد الجديد أم انها ستكون شبيهة بالحكومة المستقيلة التي أمضت أكثر من سنتين ونصف السنة في الحكم من دون أية انتاجية بسبب احتدام الخلافات والكيديات بين مكوناتها الذين تتحكم بهم الخصومات السياسية.