الطفل يبكي، يصرخ، يرتجف، يتوجع، يرتعد في فيديو تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي، فيما المسعفون يطلون جسده بالطين لتبريده، اما المصوّر فيمسك بهاتفه يسجّل الفيديو مرتجفاً ويتلو تاريخ ومكان الحادثة 27-8-2016، مستطرداً بوصف لحظة سقوط الغارة الجوية على الحي. دقائق ويغطى جسد الطفل بالشاش الابيض، فيما الطبيب المعالج يروي معاناة المسعفين خصوصا بعد فقدان المواد الطبية اللازمة.
في فيديو ثانٍ «الله يحرّق ولادك يا بشار»، تقول امرأة وهي ايضا تطيّن جسد طفل اخر يرتجف من شدة الم الحروق التي اصيب بها، لم تنسَ طبعا ذكر التاريخ ومكان التقاط الفيديو لاثبات حداثة المشاهد وعدم استخدامها لغايات اخرى.
وكذلك في فيديو ثالث (صامت): لا يحتوي على اي تعليق، بست وثلاثين ثانية تكفي صورة طفلين متوفيين ممدّدان على لوح حديد داخل المستشفى لشرح مدى همجية العقل المدبّر لاستعمال المواد الحارقة في قصف المدنيين. اجساد محروقة بالكامل مشوهة والنيران اكلت اطرافها الليّنة.
ليس عبثاً استحضار تفاصيل هذه الصور كخلفية لمشهد وزيرَي الخارجية الاميركي والروسي في مباحثات فيينا المقبلة بشأن الازمة السورية، او خلفية لأمين عام «حزب الله» وهو يلقي إحدى كلماته على الشاشات، او خلفية لصور بشار الاسد وزوجته خلال جولة لهم في احد احياء دمشق «الآمنة». ليس اعتباطياً اظهار كل صورة بأدق تفاصيلها المرعبة التي دفع ثمنها اطفال سوريا. طفولة بائسة في زمن مضطرب تمر به دول المنطقة، تجرّعوا كأس الموت، وارتدته اجسادهم عند كل عبور لطائرة حربية فوق احيائهم ورميها لصواريخ النابالم والفوسفور المحرّمة دولياً.
يظهر نظام الاسد على حقيقته يوماً بعد، ويتأكد الواقع الوحشي من دون اي التباس، من خلال فيضان الصور ومقاطع الفيديو التي لم تحفل بمشاهد موت الاطفال والدماء والجثث العالقة بين الركام، او مرمية على الارض، مكدّسة ومرقّمة، جثث مشلوحة على الشواطئ واخرى ترتجف وجعاً قبل ثوانٍ من لفظ انفاسها الاخيرة، واخرها جثث اطفال متفحّمة ومشوّهة. تسيطر اطياف الاطفال على كل مواقع التواصل الاجتماعي، لا تترك مجالاً لحزن اخر. الصور اقوى من القدرة على التجاهل. اخرها من حي الوعر في حمص بعدما قرّر النظام السوري فرض هيبته على اجساد الاطفال، بدك الحي باكثر من عشرين غارة جوية وصواريخ غاز «النابالم» الحارق في نصف ساعة فقط.
في هذه الصور تحديداً، تظهر أساس المعركة. يعتمد الاسد اسلوب الابادات الجماعية. غازات سامة وحارقة يسقطها على رؤوس السوريين. يقضي بالكامل على أحياء سكنية، قرر قاطنوها عدم الهجرة وترك أرزاقهم. النظام يريد من السكان تسليمه الحي وإخراج المعارضة المسلحة منه دون قيد او شرط وإلا سيلقون مصيراً مشابهاً لما حدث في داريا.. قتلٌ وحرقٌ وتدميرٌ ومن ثم تهجيرٌ لما تبقى من اهالي الحي، وهذا ما رفضه السكان، وطالبوا الامم المتحدة بالتدخل فوراً لانقاذهم من الإبادة.