Site icon IMLebanon

الليرة… بين ظهيرة السبت وصبيحة الإثنين

 

ما إن أعلن رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته، حتى ساد القلق الاوساط الشعبية حيال ملفين: الوضع الأمني واستقرار الليرة. هل الخطر على النقد الوطني قائم فعلاً؟ وهل التطمينات الاولية التي صدرت عن مراجع وفعاليات واقعية، وبالتالي، سيبقى سعر صرف الليرة مستقراً في المرحلة المقبلة؟

قد يكون من محاسن الصدف، أو ربما متعمداً، أن يعلن رئيس الحكومة استقالته ظهر يوم السبت، بعد وقت قصير جدا على إغلاق المصارف اللبنانية أبوابها، والدخول في عطلة نهاية الاسبوع التي تمتد حتى صباح الاثنين.

لأن ردة فعل الناس، فيما لو أُعلنت الاستقالة في الدوام الرسمي، كانت ستدفع الكثيرين الى الاسراع الى المصارف لتحويل الودائع والمدخرات الى الدولار، وكان الضغط سيكون ثقيلا على المصارف وعلى البنك المركزي. ومثل هذا الهلع، كان يمكن أو يؤدي الى انهيار الليرة فعلاً، من دون ان تكون هناك مبررات مالية أو اقتصادية لهذا الانهيار.

لكن توقيت الاستقالة ظهر السبت، سمح بأمرين:

• اولا، صدور تطمينات عن مراجع مالية من شأنها أن تخفّف كثيرا «الهجمة» الشعبية على بيع الليرة صباح اليوم (الاثنين).

• ثانيا – استيعاب الصدمة من قبل الناس، لأن العنصر الأقوى في الاستقالة كان انها جاءت مفاجئة، وبالتالي، كان من المفيد اعطاء وقت لكي يعتاد الناس على الفكرة، ويتجاوزوا مفعول الصدمة، الى التفكير الهادئ بالنتائج.

هل يعني ذلك، ان الخطر على الليرة زال، وأن الاستقرار النقدي قائم ومستمر في المرحلة المقبلة؟

من الوجهة المالية والاقتصادية، من البديهي القول، ان استقالة الحريري لا تؤدي بين ليلة وضحاها الى تغيير الوضعين المالي والاقتصادي. لا الاحتياطي النقدي الضخم في مصرف لبنان والذي يمكن استعماله للدفاع عن الليرة تراجع، ولا الحركة الاقتصادية انهارت. في الأرقام، بين ظهيرة السبت وصبيحة الاثنين لا شيء تغيّر، وكل المعطيات تشير الى ان لا شيء يبرّر الاعتقاد أن الليرة قد تنهار.

لكن هذا الواقع لا ينفي واقعا آخر يرتبط بعامل الثقة، وهو العامل الأهم في المعادلة المالية. وهنا يمكن اجراء جردة للأحداث المأساوية التي شهدها لبنان في السنوات العشر الماضية، وبقيت خلالها الليرة مستقرة، ومن أبرزها:

اولا – اغتيال رئيس الحكومة رفيق الحريري في العام 2005.
• ثانيا- الحرب الاسرائيلية على لبنان في العام 2006
.
• ثالثا – مسلسل الاغتيالات، الفراغ الرئاسي ومحاصرة السراي
.
• رابعا – 7 أيّار 2008
.
• خامسا – الفراغ الرئاسي الممتد بين ايار 2014 وتشرين 2016
.

بالاضافة طبعا، الى صدمات التفجيرات، والخطر الارهابي الذي حاصر البلد لفترة طويلة.

لكن تعداد هذه المحطات السوداء، والتذكير بأن الليرة بقيت صامدة خلالها، لا يمنح النقد الوطني صك استقرار دائم، ولا يعني ان صدمة استقالة الحريري لن تؤثر فعليا على سعر الليرة. اذ ان كل الاحداث السابقة، يمكن إدراج ما يخفّف من وطأتها. اغتيال الحريري تبعته حركة 14 آذار وانتعاش الامال بلبنان أفضل، حرب 2006 تبعتها عناية مالية ومعنوية خليجية ودولية بلبنان.

اضطرابات الاعتصام وسط بيروت، والفراغ الرئاسي والاغتيالات، كل تلك الاحداث المأساوية واكبها استمرار الآمال الشعبية بامكانية التغيير. أما أحداث 7 أيار، فتم استيعاب مفاعيلها بسرعة انجاز التسوية في الدوحة. أما الفراغ الرئاسي، فكان تأثيره السلبي قائما على الوضع المالي، لكنه تأثير بطيء وتراكمي، وكان يمكن ان ينتج انهياراً فيما لو استمر لفترة أطول.

خلاصة الكلام، ان الأحداث الصادمة التي تعرّض لها البلد في السنوات العشر الأخيرة، وان لم توصل الى ضرب الاستقرار النقدي، الا أنها ساهمت تراكمياً في إضعاف الوضعين الاقتصادي والمالي. ولولا العملية التراكمية الايجابية التي مُنحت للبنان بين 2009 و2011، وأدت الى معدل نمو سنوي قارب الـ8.5%، لأمكن الجزم ان الصمود اليوم كان مستحيلا.

ومع ذلك، نحن حاليا امام استحقاق جدي ومربك، ليس بسبب مفاعيل الاستقالة، بل بسبب انسداد الأفق، وعدم اليقين حيال ما سيجري غدا. فالاستقالة مجرد بداية، وما قد يأتي لاحقا، هو ما يُقلق الناس ويمكن ان يؤثر على الوضع برمّته.