أخاطب جبران باسيل بصفته مواطناً لبنانياً قد يعنيه العيش المشترك وديمومة الوطن. وأناديه باسمه مجرداً لأنني أكبر سناً وأكثر تجربة ومُعاناة في الحياة، إذ أمضيت نصف عمري في الغُربة أي أسوأ ظروفها ومعاناتها، ونصفه الثاني غريباً في وطني بسبب المُحاصصة والمحسوبيّة والاستزلام!!
من حقّك أن تتكلم بإسم المسيحيين، مع أنك وصلت باكراً جداً وبدون جهد إلى تبؤ قيادة أكبر تكتل سياسي مسيحي، علاوة على فرض تبوئك لمناصب وزارية.
لكن ليس من حقّك أن تدفع البلد إلى الفتنة وإلى حافة المهوار وأن تلعب بالنار المُحرِقة، وأن تتفرّد بالقرارات تحت شعار «حقوق المسيحيين»!
إن الإصرار على رفع هذا الشعار سيقابله تلقائياً رفع شعار «حقوق المُسلمين» أو «حقوق السُنّة» أو «حقوق الدروز» أو «حقوق الأرثوذكس» أو غيرهم!!
هل تعتقد حقاً أن المسيحيين فقط هم الذين سُلبت حقوقهم؟
لو افترضنا أن هذا الأمر صحيح فهذا قد يكون حدث بعد اتفاق الطائف. حسناً، من سُلبت حقوقه في الفترة ما قبل الطائف؟! ومن لا يزال يُعاني اليوم بعد الطائف بسبب تسامح واعتدال وليونة قياداته الوطنيّة غير المتزمّتة مذهبياً!
هل تعلم أن دولة الرئيس صائب سلام (رحمه الله)، ومن باب الميثاقية، أعطى محافظ بيروت الأرثوذكسي (حبذا لو كان أرثوذكسياً بيروتياً) الصلاحيات التنفيذية التي يجدر أن تكون لرئيس البلدية المُنتخب أسوة بباقي رؤساء البلديات، صغيرها وكبيرها، في لبنان! ليس هذا فحسب بل حين حاول الشهيد الرئيس رفيق الحريري إعادة الأمور إلى نصابها، بادر الرئيس صائب سلام إلى إقناعه بترك الأمور على حالها، فعدل الرئيس الحريري عن الأمر، خاصة بعد ما واجهه من معارضة مرجعيات مسيحية!
أما الرئيس سليم الحص (أطال الله عمره)، فمن باب رؤيته التنموية والتنظيمية والتطويرية ألغى مجلس تنفيذ المشاريع الكبرى لمدينة بيروت حيث دُمِجَ بمجلس الإنماء والإعمار، وهكذا حُرِمت بيروت من مجلس خاص بها أسوة بغيرها من المناطق.
ولأن الرئيس الحص «حقّاوي» فقد أخرج من الأدراج آلاف طلبات نقل الإقامة إلى بيروت، ووقعها، وكانت مجمّدة هناك ليس من باب النكاية، ولكن كي لا تُسبب خللاً ديموغرافياً. واليوم أصبح الشيعة في دائرة بيروت الثانية ينتخبون نوابهم .. ونوّاب السُنّة والأرمن الأرثوذكس!
أما المُفتي السابق الشيخ محمد رشيد قباني فقد تخلّى عن منصب مدير عام (فئة أولى) في الدولة لصالح إيجاد منصب جديد هو مدير عام الإفتاء الذي تولاه المرحوم حسين القوتلي، وذلك كي لا يخلق إشكالاً عبر طلبه منصب مدير عام إضافي. لكن المؤسف أكثر أن المركز تحوّل فيما بعد إلى منصب مدير مكتب المفتي فـ«طار» منصب مدير عام على السُنّة! كذلك «طار» منصب مفتي جبيل (وهذه قصّة أخرى)!
أما دولة الرئيس سعد الحريري فسجلّه حافل مع ذوي القُربى من أهله وطائفته في سبيل الوحدة الوطنية والعيش المشترك والاستقرار وتسهيل الأمور وفضّ الاشتباك و«إمّ الصبي»!
وهذا غيض من فيض.. «بدّك كفّي الحكي يا جبران ولا بيكفي هيك»؟!
ثُمّ لِمَ الإقتصار على المُناصفة؟ لماذا لا نذهب إلى المداورة الشاملة؟ ماذا عن تبادل حُصص السُنّة بحصص الموارنة في كل من رئاسة الجمهورية، وقيادة الجيش، والمجلس الدستوري، ومجلس القضاء الأعلى، ومجلس شورى الدولة، والتفتيش المركزي، ومصرف لبنان وغيرها.
«نصيحة يا جبران ما تلعب بالنار.. وما تستضعفنا بأوراق التفاهم والأحلاف.. وما تهدّدنا بأن التيار الوطني الحر باقٍ بوجهنا ست آلاف سنة ولازم نقبل بهذا الواقع»!
«سماع يا جبران من هالختيار.. الدنيا دولاب والزمن غدّار .. قفّل عالموضوع واتقِ شرّ الحليم»!