رغم المليارات التي صرفت على معالجة الصرف الصحي منذ عقود، لا يزال التلوث الناجم عنه يتسبب في خسائر بيئية وصحية هائلة. آخر نماذج «الحلول»، مخطط لإنشاء منظومة محطات في وادي الحجير يصبّ نتاجها في… نهر الليطاني!
أعلنت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تحفظها على خطة إنشاء محطات لتكرير الصرف الصحي في الحوض الأدنى للنهر لما وجدت فيه من ضرر على نوعية المياه، وأرسلت أمس كتباً عاجلة في هذا الشأن إلى وزارات الطاقة والمياه والداخلية والبيئة والزراعة ومجلس الإنماء والإعمار والتنظيم المدني والتفتيش المركزي والنيابة العامة التمييزية والبنك الدولي.
الخطة مدرجة ضمن القانون 63 الذي أقره مجلس النواب نهاية عام 2016 حول تخصيص اعتمادات بقيمة ألف ومئة مليار ليرة، لتنفيذ محطات التكرير في حوض الليطاني. ونفّذت «دار الهندسة»، بتكليف من وزارة الطاقة والمياه ومجلس الإنماء والإعمار، دراسة لمعالجة الصرف الصحي في أقضية مرجعيون والنبطية وبنت جبيل، ووضعت تصميماً لنظام تجميع ومعالجة المياه المبتذلة من بلدات وادي الحجير يقوم على إنشاء جذع رئيسي ينقلها من البلدات الـ30 الواقعة على طول الوادي، عبر شبكة تعمل بالجاذبية وتصب في محطة معالجة الصرف الصحي المركزية في قعقعية الجسر. ولحظت الدراسة إنشاء ثلاث محطات فرعية قرب مجرى النهر، أولاها قرب نبعة علمان في فرون والثانية قرب رافد المرنبا والثالثة في علمان، إضافة إلى إنشاء ثماني محطات ضخ تتوزع على طول الشبكة. بحسب الدراسة، فإن حجم الصرف الصحي الذي سيتدفق يومياً إلى المحطة يقدر بأكثر من 41 ألف متر مكعب، وتوقعت بروز حاجة لاستملاك أكثر من 35 ألف متر مربع لتشييد المنظومة. وبعد هذا المسار الطويل، قدّر للصرف الصحي أن يصبّ بعد تكريره في مجرى الليطاني القريب.
«دار الهندسة» عرضت الدراسة على المصلحة بناءً على توصية وزارة الطاقة، فأبدى المدير العام للمصلحة سامي علوية تحفظه «بسبب خطورة هذا المشروع وأمثاله على نوعية المياه والوضعية البيئية لليطاني في الحوض الأدنى» كما جاء في الكتاب. ووجدت المصلحة أن هذه «التصاميم من شأنها أن تفاقم مشكلة التلوث في الحوض الأدنى وتتسبب عن قصد وسوء نية في تحويل مياه الصرف الصحي كافة للبلدات البعيدة عن الليطاني، نحو المجرى، عبر الروافد والمجاري الشتوية التي تصب في النهر، الأمر الذي يكرر السيناريو الكارثي الذي تم تصميمه في منطقة الحوض الأعلى لنهر الليطاني منذ تسعينيات القرن الماضي وانتهى بتحويل المجرى في البقاع الى أطول مجرور في الشرق الأوسط، وأدى إلى تلويث التربة وانهيار القطاع الزراعي». وتوقف الكتاب عند اختيار بلدة قعقعية الجسر المصنفة سياحية لتشييد المحطة المركزية، «ما يوجب إنشاء شبكة صرف ضخمة ومحطات ضخ بكلفة استملاك باهظة». وانتهت المصلحة إلى اعتبار التصميم المقدم «تهديداً مباشراً لاستدامة السلامة البيئية للنهر وخطراً على ضمان جودة مياهه». واستندت في ذلك إلى مخطط «تمرير شبكات الصرف الصحي في حرم مجرى نهر الليطاني أو في الروافد والمجاري الشتوية التابعة له، وإقامة محطات التكرير على ضفاف النهر وضخ الصرف الناتج عن بعض محطات التكرير الواقعة خارج الحوض إلى داخل الحوض ودمج مياهها بمياه الليطاني».
مصلحة الليطاني: المشروع يهدّد الحوض الأدنى بتكرار السيناريو الكارثي للحوض الأعلى
ميزة الحوض الأدنى لليطاني ليس كونه أقل تلوثاً من الحوض الأعلى فقط، بل في أنه مصدر لاستدامة مشاريع ري الشريط الساحلي. وفي هذا الإطار، نبّه كتاب المصلحة إلى خطورة المشاريع المقترحة على تدهور نوعية المياه وتوقف العمل بمشروع ري القاسمية كما حصل مع مشروع ري القناة 900 المتوقف منذ عام 2016. لكن أبرز ما أشار إليه الكتاب كان تعارض تلك المشاريع مع «خطة الطوارئ لإخلاء المناطق المعرضة للمخاطر أسفل مشروع سد القرعون». إذ حذرت الخطة من إقامة بنى تحتية عامة وحيوية في المناطق المعرّضة للفيضان. وعليه، فإن المحطات المقترحة قد تعرّض البلدات للغمر في حال فيضان سد القرعون أو انهياره.
في المبدأ، تمثل محطات التكرير أحد أبرز حلول الصرف الصحي. لكن بالنظر إلى التجربة اللبنانية، قد تتحول تلك المحطات إلى مشكلة لا تقتصر على هدر المال العام. فقد ربطت المصلحة خطورة معالجة الصرف على الطريقة اللبنانية، بتهديد الأمن المائي جنوباً وتحويل المياه المتاحة الى مياه غير قابلة للاستخدام.
«الأخبار» حاولت الحصول على ملاحظات «الطاقة والمياه» على الدراسة، إلا أن المسؤولين المعنيين احتاجوا إلى نيل إذن الوزير للتصريح، وهو ما لم يتوافر طوال أمس. لكنّ مصدراً في الوزارة أكد أن «اختيار موقع المشروع يرتبط بعوامل تقنية وفنية وجغرافية، وهو ما ينطبق على وادي السلوقي الذي يصبّ فيه، بفعل الطبيعة والجاذبية، الصرف الصحي. من هنا، اضطر مصمم الدراسة إلى إنشاء خطوط صرف صحي في وادي الحجير – السلوقي». ولفت المصدر إلى أن «مصب المياه المكررة في الليطاني ليس حتمياً حتى الآن»، لكنه أقرّ بأن اعتراض المصلحة وسواها مردّه «التجارب السيئة السابقة لمحطات التكرير». الخلل، بحسب المصدر، «يكمن في شقين: الأول عدم الثقة بأداء المحطة، والثاني عدم الثقة بخبرات وكفاءات العاملين في مؤسسات المياه المكلفة بتشغيل المحطات». والحل يكمن في «تفاهم بين الجهات المعنية من المصلحة إلى الوزارة والمجلس والمصمم على مصير مناسب للمياه المكررة». وهنا تتعدد الخيارات، «من إنشاء خزانات لتجميع المياه المكررة واستخدامها في الري، إلى التكرير وفق المستوى الثالث الذي يجعل المياه المبتذلة صالحة للشرب، بشرط إخضاعها لضوابط. وهناك خيار ثالث باستبدال إنشاء محطة تكرير في وادي الحجير بشبكة تضخ الصرف الصحي من المنطقة باتجاه محطات صور».