IMLebanon

«خط الليطاني» يبدأ بطهران ويمرّ بحلب وإدلب

 

في بعض الأوساط الديبلوماسية، تتراكم التوقعات المتشائمة إزاء اتفاق وقف النار. وثمة من يقول إنّ مهلة الشهرين الموعودة تبدو أكثر فأكثر مهدّدة… إلّا إذا كانت تطورات سوريا ستدفع الإسرائيليين إلى التأني في لبنان انتظاراً للنتائج.

واضح أنّ إسرائيل «لغّمت» اتفاق وقف النار مع لبنان قبل إعلانه. ومنعاً لأي التباس، هي تكرّر صراحة أنّه مجرد هدنة وليس نهاية للحرب، وتقوم بتمزيقه يومياً بالمدافع والمسيّرات، وأبلغت الى الجميع أنّ الخط الذي رسمته بالنار والدم والدمار في جنوب نهر الليطاني، وفي شماله أحياناً، سيبقى ممنوعاً تجاوزه حتى إشعار آخر. وفي أي حال، تبدو العُقد التي تعترض الاتفاق من النوع غير القابل للمعالجة. وعلى الأرجح، يدرك الطرفان المعنيان، أي إسرائيل و»حزب الله»، هذا الأمر، لكنهما يحاولان تجنّب الإقرار بالفشل علناً، وكل له مبرراته في ذلك.

 

من الأسئلة التي يطرحها المراقبون: ماذا يبقى من الاتفاق إذا أصرّت إسرائيل على أن تصطاد بالنار كل من تعتبره «مشتبهاً فيه» في الجنوب، وإذا منعت أهالي عشرات القرى من العودة إلى ديارهم في جنوب الليطاني وشماله، واستهدفت بمسيّراتها أي موقع تختاره في الجنوب أو لبنان كله؟ وإذا كان هذا هو وقف النار بمفهوم إسرائيل، فكيف تكون الحرب إذاً؟

 

وكذلك، يُسأل «حزب الله»: هل بدأ في إخراج السلاح فعلاً من جنوب الليطاني وتسليم المسؤولية هناك إلى الجيش اللبناني، كما نصّ الاتفاق؟ وكيف سيتعامل مع هذه المسألة في الأيام والأسابيع المقبلة، عندما تبدأ لجنة المراقبة، برئاستها الأميركية، بالضغط على الجانب اللبناني في هذا الاتجاه؟ وفي الخلاصة، ألا يُخشى أن تؤدي رغبات إسرائيل و»حزب الله» في التملّص من المضامين «المزعجة» للاتفاق، إلى وقوع صدامات في اتجاهات مختلفة؟

 

في الواقع، لم يوافق «الحزب» على وقف النار وفك الارتباط بغزة إلّا لأنّه بلغ مستوى عالياً من الوجع وتعرّض لمخاطر وجودية عليه وعلى بيئته. وأما إسرائيل فاستغلت هذا الوضع لتسوّق الاتفاق الحالي، والذي يخدم مصالحها في نزاع إقليمي تخوضه «على 7 جبهات» كما قال نتنياهو، وتشكّل إيران نواة لهذا النزاع.

 

ويمكن تصنيف هذه الجبهات كالآتي: اثنتان ملتهبتان تتعاطى معهما إسرائيل بالقتال المباشر لإزالة خطرهما (غزة ولبنان) و4 جبهات يمكن إطفاؤها بأساليب وأدوات مختلفة عسكرية وسياسية (الضفة الغربية، سوريا، العراق، واليمن). وفوق كل هذه الجبهات الـ6، هناك الرأس، أي إيران التي تعمل مع الاميركيين على رسم استراتيجية دقيقة للتعاطي معها.

 

انتظر نتنياهو نحو عام كامل ليضبط نسبياً وضع غزة، لكي ينتقل إلى لبنان. وعندما توصّل إلى وقف النار في لبنان، انفجر الوضع في الشمال السوري حيث يتهدّد شريان المؤن الإيرانية إلى «الحزب». والواضح أنّ الهدف المباشر التالي هو «إزالة خطر إيران». وهذا الأمر أكّده نتنياهو نفسه عندما أعلن أنّ التفرّغ لمواجهة إيران هو الدافع الأول إلى الاتفاق مع لبنان.

 

وفي تقدير ديبلوماسيين أنّ إسرائيل، بعد إبعادها خطر «حماس» (بسبب خسارتها معظم قدراتها الصاروخية) و»حزب الله» (بسبب اتفاق وقف النار)، باتت أكثر استعداداً لتسديد ضربة عسكرية حاسمة إلى برنامج إيران النووي ومنشآتها الاستراتيجية. وهذه المرّة، ستجد طهران أنّها مضطرة إلى الردّ على إسرائيل بصواريخها ومسيّراتها فقط، لأنّ قدرات الحلفاء تقلّصت كثيراً. وهذا العامل سيدفع بالإيرانيين إلى التحسب بدقة لأي مواجهة مقبلة مع إسرائيل والولايات المتحدة.

 

ويعتقد بعض الخبراء أنّ نتنياهو يخطط فعلاً لتوريط واشنطن في المواجهة الكبرى مع إيران، والتي ربما يريدها خلال فترة الشهرين التجريبيين في لبنان، أي قبل انتهاء ولاية جو بايدن. وفي اعتقاده أنّ رجلاً مثخناً بالخيبات كبايدن يمكن أن يفعل ذلك لينهي به رحلته في الرئاسة وفي الحياة السياسية. فبالنسبة إلى الإسرائيليين، ضرب إيران النووية وتحجيم نفوذها وحصره في نطاق حدودها الجغرافية هما هدف استراتيجي يجب الوصول إليه في أقرب ما يمكن، وهو وحده الكفيل بإنهاء المخاطر التي تهدّد إسرائيل على حدودها، من غزة إلى جنوب لبنان والضفة الغربية وسوريا والعراق واليمن.

 

 

ويعلّق أحد الديبلوماسيين على هذا الأمر بالقول: «لا تريد إسرائيل إزالة نفوذ إيران من جنوب الليطاني فحسب، بل من الشرق الأوسط كله». ويستطرد قائلاً، مع المبالغة طبعاً: «يريد الإسرائيليون أن يبدأ خط الليطاني بطهران ويصل إلى المتوسط، مروراً بسوريا والعراق واليمن وغزة والضفة الغربية. وليس مصادفة أن ينفجر الوضع العسكري في سوريا، وتتقدّم المعارضة في حلب وإدلب، بدعم من تركيا وتراخٍ روسي، في اللحظة التي تمّ فيها إقرار اتفاق وقف النار في لبنان، وفيما كان الإسرائيليون يسدّدون ضربات موجعة إلى الأهداف الإيرانية في الداخل السوري، ويقطعون طريق الإمدادات إلى لبنان». ويضيف: «الحكومة الحالية في إسرائيل وجدت أمامها فرصة تاريخية للدخول في مغامرات تغيّر الشرق الأوسط. وعلى الأرجح، غالبية كياناته ستشهد تحولات وانقلابات يعرف الجميع كيف تبدأ لكن أحداً لا يعرف كيف ستنتهي».