لا تنتهي المفاجآت في ملف تلوث الليطاني. بعد الإدعاء على 31 مصنعاً ملوثاً في البقاعين الأوسط والغربي كمرحلة أولى، لم يرتدع المدعى عليهم بمعالجة نفاياتهم أو حجبها عن النهر. فيما لم يتخذ القضاء تدبيراً مستعجلاً لإيقاف التلوث، منتظراً جلسة استجوابهم في 6 تشرين الثاني المقبل. بالتزامن، ينتظر أن يتسلم أصحاب 40 مصنعاً ملوثاً في البقاعين ادعاءات النيابة العامة، يعقبها ادعاء على أصحاب تسعة مصانع ملوثة في البقاع الشمالي. لكن المصانع الثمانين ليست وحدها سبب تحول الليطاني إلى مجرور موت. إذ كشفت المسوحات الميدانية وجود 723 مصنعاً أخرى في البقاعين الغربي والأوسط وبعلبك الهرمل تلوث النهر، ولم يشملها أي كشف سابق لأنها تعمل من دون ترخيص أو تصنيف، وغير مدرجة في وزارة الصناعة أو في أي إدارة رسمية!
جدول الكشف على المصانع – قضاء بعلبك – 39 مصنع
علمت «الأخبار» أن النائب العام الإستئنافي في البقاع القاضي منيف بركات ادعى على أصحاب 40 مصنعاً ملوثاً لليطاني في البقاعين الغربي والأوسط، استناداً إلى الكشف الميداني الذي أجرته المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بالتعاون مع وزارات الصناعة والزراعة والصحة والبيئة ومفرزة زحلة القضائية. مما يستكمل رزمة الإدعاءات التي اطلقها بركات في وقت سابق ضد أصحاب 31 مصنعاً في البقاع الغربي وقضاء زحلة. وأنهت المصلحة أمس الكشف الميداني على 39 مؤسسة صناعية في محافظة بعلبك الهرمل وسلمت نتائجه إلى بركات. وأظهر الكشف وجود تسعة مصانع ملوثة في مقابل 19 مصنعاً غير ملوثة. وهناك مصنعان غير معروف تلويثهما من عدمه، وأربعة قيد التجهيز، وواحد مقفل واثنان غير قائمين، إنما نالا ترخيصاً من وزارة الصناعة. وبحسب علوية، ستتولى المصلحة تبليغ أصحاب المصانع الملوثة بالإدعاء عليهم، ليصار سريعاً إلى تحديد جلسة استجواب لأصحابها واتخاذ إجراءات لوقف مصادر التلوث.
لكن المفاجأة تمثّلت في «تفريخ» 723 مصنعاً ومؤسسة في أقضية بعلبك وزحلة والبقاع الغربي، تبين بأنها تحول نفاياتها مباشرة نحو النهر من دون معالجة. هذه المصانع لم تكن مدرجة على لوائح الكشف الميداني لأنها غير مرخصة وغير مدرجة على أي من خرائط الإدارات المختصة، من المحافظة إلى وزارات الصناعة و البيئة والزراعة والصحة!
في تمنين التحتا «اكتُشف»وجود معامل للرخام وإسطبل للخيول في مجرى النهر
وأوضح رئيس مجلس إدارة المصلحة سامي علوية أنه أثناء الكشف الميداني الذي أجرته المصلحة على 251 مصنعاً في زحلة والبقاع الغربي و39 في بعلبك – الهرمل، مرخصاً ومدرجاً في وزارة الصناعة، تم «اكتشاف» 623 مصنعاً غير مرخصة في زحلة والبقاع الغربي و100 في بعلبك – الهرمل. من بينها محطات وقود ومغاسل سيارات ومسالخ ومعامل منتجات غذائية. وستعاود المصلحة الكشف على هذه المصانع والمؤسسات ليصار إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة بحقها بعد تسجيل نسبة تلويثها لليطاني.
في غضون ذلك، كانت سريعة الإجراءات التي اتخذها النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم ضد أصحاب المصانع الملوثة لليطاني في ختام جولته أمس على بعض المؤسسات والبلدات التي تحوّل صرفها الصحي والصناعي على مجرى النهر في البقاعين الأوسط والشمالي. إذ استدعى كلاً من رؤساء بلديات المرج وعنجر ومجدل عنجر وبر الياس وعدداً من أصحاب المؤسسات الصناعية الملوثة.
كشوفات المصانع – قضاء بعلبك – 39 مصنع
برفقة علوية، جال إبراهيم على مخيمات النازحين السوريين الواقعة عند نهر الغزيل، أحد روافد الليطاني في بر الياس، راصداً الصرف الصحي والنفايات الصلبة التي تلقى مباشرة في النهر، آتية من بلدات بر الياس وعنجر ومجدل عنجر والمرج. وفي المرج، عاين الأملاك العامة التي تستخدمها المفوضية السامية لحقوق اللاجئين لإقامة تجمعات للنازحين. وعند مفرق البلدة، سجل محضراً بمخالفات بناء في حوض النهر وعلى مجراه مباشرة. وبنتيجة المعاينات، استدعى رؤساء البلديات المذكورة الى مكتب الجرائم المالية، في انتظار استدعاء ممثلة المفوضية في لبنان ميراي جيرار لتحديد المسؤوليات في التلوث الذي تسببه المخيمات التي تشرف عليها طواقم المفوضية مادياً ومعنوياً.
في رياق (زحلة)، عاين إبراهيم وعلوية إحدى محطات المحروقات (محطة كندا) التي تلقي الزيوت والمياه الناتجة عن غسيل السيارات مباشرة في النهر المجاور. صاحبها خ. م. الذي كان موجوداً خلال الجولة، تبلغ وجهاً لوجه من إبراهيم أمر استدعائه إلى النيابة العامة في بيروت للتحقيق معه. وعلمت «الأخبار» من مصدر قضائي أن النائب العام المالي أصدر في وقت لاحق قراراً بتوقيف صاحب المحطة. الجولة قادت إلى بلدة حوش الرافقة، حيث تمت معاينة «مجرور» المياه المبتذلة الآتي من بلدة النبي شيت. وفي تمنين التحتا، تمت معاينة «مجرور» الصرف الصحي والصناعي الناتج عن البلدة وجوارها والذي يصب في النهر. و«اكتشف» إبراهيم وعلوية وجود معامل للرخام وإسطبل للخيول في مجرى النهر.
الإستدعاءات شملت أيضاً أصحاب «فروج السيد» في رياق الذي أظهر الكشف أنه يحول بين 8 آلاف و10 آلاف ليتر يومياً من الصرف الصناعي غير المعالج، في مجرى النهر. إبراهيم طلب أيضاً من أصحاب «مؤسسة التنمية الزراعية» الحضور لاستجوابهم بعدما أظهر الكشف بأنها تحول 200 الف ليتر من المياه العادمة من دون معالجة. وديع نصرالله ممثل «تنمية» مثل أمام مكتب الجرائم المالية و«ترك رهن التحقيق بعد أن تعهد بزيادة فعالية محطات تكرير الصرف الصناعي التي أظهر الكشف عدم فعاليتها».
النائب العام المالي استدعى الوزير السابق دوفريج للاستجواب عن تلويث مصنعه للنهر
الجولة وصلت إلى مصنع شركة «ألبان لبنان ــــ كانديا» في طليا (بعلبك) التي أظهر كشف المصلحة أنها تنتج يومياً 200 الف متر مكعب من المياه العادمة من دون معالجة. إبراهيم اتصل برئيس مجلس إدارة الشركة النائب والوزير السابق نبيل دو فريج، طالباً منه الحضور لاستجوابه حول تلويث النهر. وعلمت «الأخبار» أن دو فريج استمهل إلى مطلع الأسبوع المقبل. كما يستمع إبراهيم في ٢٣ الجاري لإفادة علوية «في إطار فتح ملف شامل للتعديات على حرم النهر والمخالفات في مجراه».
74 بلدية من 133 تحول صرفها الصحي إلى الليطاني
إحصاءات المصلحة الوطنية لنهر الليطاني تشير إلى ما لا يقل عن 35 مليون متر مكعب من المياه العادمة والسامة والصناعية، تتدفق سنوياً في الحوض الأعلى لليطاني وتنتقل في المجرى والروافد إلى الحوض الأدنى. جزء من هذه المياه ناتج عن المؤسسات الصناعية، والجزء الأكبر عن مياه الصرف الصحي الذي تحوله البلديات مباشرة أو عبر شبكات البنى التحتية إلى النهر، إضافة إلى عدد من المنتزهات والمقاهي التي ترفع من منسوب التلوث.
المصلحة أجرت مسحاً بنشاط البلديات البقاعية في الحوض الأعلى لليطاني من منبعه من نبع العليق في بعلبك إلى بحيرة القرعون. وتبين أن 74 بلدية من أصل 133، تحوّل ملايين الأمتار المكعبة من المياه المبتذلة نحو المجرى من دون تكرير. وفي تفصيل الأرقام، يظهر الكشف بأن 26 بلدية في قضاء بعلبك و37 بلدية في قضاء زحلة و11 بلدية في البقاع الغربي تحول الصرف الصحي مباشرة الى النهر. وأظهر كشف المصلحة أن «وجود محطات التكرير في بعض البلدات، لا يعني بالضرورة بأن المياه معالجة وفقاً للمعايير التقنية المطلوبة لإعادة استعمالها».
علوية: مطلوب من القضاء سرعة رفع الضرر
عن المماطلة التي تسم الأداء العام للإدارات المعنية بحماية النهر، أكد رئيس مجلس إدارة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي أنه رغم الإدعاء على المصانع، «لا يزال المدعى عليهم يجنون الأرباح الطائلة من خلال الاستثمار في تلويث النهر، ولا تزال آلاف الامتار المكعبة من صرفها الصناعي تغرق النهر وتخنق الناس». وسأل: «ين هي الاجراءات الاحتياطية والتدابير المؤقتة التي توقف الضرر الذي يستلزم أكثر من الإجراءات القلمية؟».
وتساءل علوية: «لماذا لا تقوم البلديات التي تستفيد من عائدات الصندوق البلدي المستقل، بواجباتها في معالجة الصرف الصحي وتنظيف النهر من النفايات الصلبة قبل موسم الشتاء، بدلاً من انتظار تعويضات الهيئة العليا للاغاثة في حال وقعت كارثة ما؟». والأسوأ في ما خص البلديات، أن بعضها يؤجر ضفاف النهر الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ويحمي المعتدين ويترك النهر مصبا لمجارير المخيمات ومكبا لنفاياتها».