لم يعد خافياً على أحد أن بعض المكونات السياسية اللبنانية باتت مؤمنة إيماناً راسخاً نهائياً بان المقاومة في لبنان تقاتل فقط من أجل فلسطين، ويظهر بان تلك المكوّنات لم يعد يتواجد في قاموسها السياسي منطق محق يقول أن لإسرائيل أطماعاً توسعية جمّة بلبنان وبدول عربية أخرى. يُعتبر نهر الليطاني أحد الأنهار اللبنانية والتي لإسرائيل أطماعاً بمياهه حتى يومنا هذا. أما تاريخياً وحول حدود الوطن القومي اليهودي وجّه زعيم الحركة الصهيونية حاييم وايزمان رسالة يتبيّن في فحواها الأطماع الصهيونية في مياه الليطاني إلى اللورد كيرزون يقول فيها: إنني واثق أن سيادتكم تدركون حاجة فلسطين (يقصد إسرائيل) الملحّة إلى مياه الليطاني، وهذه الحاجة تبقى قائمة ولو تمّ ضمّ اليرموك والأردن إلى فلسطين. ويضيف وايزمان قائلاّ: إن صيف فلسطين جاف جدّاً، ومياه الأنهار والبحيرات تتبخر بسرعة هذه الفترة، لذا فإن مياه الليطاني ضرورية جدّاً لدى الجليل الأعلى ولاستمرار الطاقة الكهربائية التي تحتاجها صناعتنا حتى لو كانت محدودة. ويختم قائلاً أن فلسطين لن تكون مستقلة سياسياً إذا اقتطع منها الليطاني.
إن نهر الليطاني هو الأطول والأكبر في لبنان، إذ يبلغ طوله 170 كيلومتراً وتبلغ سعته تقريباً 750 مليون متر مكعّب سنوياً. ويكتسب نهر الليطاني أهمية جرّاء بُعده الجغرافي لقربه من الحدود مع فلسطين المحتلة، مما يجعله مركز اهتمام إسرائيلي. ويعود سبب التركيز الإسرائيلي على نهر الليطاني إلى عاملين: أولاً المسافة بين النهر والحدود مع فلسطين المحتلة والتي تتراوح بين 25 و30 كيلومتراً، وتبتعد زاويته الشرقية نحو 5 كيلومترات عن مستوطنة المطلّة في أصبع الجليل، أما العامل الثاني، فيرتبط بالمدى الفعلي للصواريخ التي تطلق على مستوطنات الشمال الفلسطيني المحتل، لكن الطمع في استغلال مياه الجنوب ظهر بشدّة في تصريح رئيس الوزراء الأسبق ليفي أشكول، حين قال لا يسع إسرائيل الظامئة أن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى مياه الليطاني تتدفق إلى البحر، ويختم أشكول قائلاً أن القنوات باتت جاهزة في إسرائيل لاستقبال مياه نهر الليطاني. وإذا عدنا سنوات إلى الوراء أيّ إلى العام 2006، قالت النائب الأردنية السابقة توجان الفيصل، أنه بالنسبة لليطاني بالذات، فإن أطماع الصهاينة فيه بدأت قبل قيام دولتهم. ففي العام 1943 وضعت إحدى الشركات الصهيونية المعروفة تحت مسمّى لجنة مياه فلسطين، دراسة قالت فيها ان مياه الليطاني لا يمكن أن تستخدم كلها في لبنان، ما يؤكد نيّة الصهاينة الاستيلاء على جنوب لبنان لتأمين وصولهم لنهر الليطاني، ومن الأدلّة الدامغة على هذا الهدف وعلى الرغبة في تحقيق هذه الغاية قول إيجال ألون الذي كان قائداً للقوات الصهيونية عام 1948، «لولا أمر من بن غوريون بوقف القتال، لكانت قواتنا قد احتلّت الليطاني وحرّرت جزءاً آخر من وطننا». وفي العام 1949 أثارت إسرائيل في لجنة التوفيق الدولية مسألة مياه الليطاني واستخلصت من اللجنة في تقريرها الصادر في نهاية العام توصية بتأجير سبعة أثمان مياه الليطاني لإسرائيل، وذلك بتحويل مياهه إلى وادي الأردن. وتشير الوثائق الإسرائيلية القديمة إلى حلم قديم لدى القادة الإسرائيليين، يقضي بأن يكون نهر الليطاني الحدود الشمالية لبلادهم. وهذا ما عبّر عنه دايفيد بن غوريون في عام 1967 في رسالة إلى الرئيس الفرنسي شارل ديغول إذ قال: أمنيتي في المستقبل أي يصبح الليطاني حدود إسرائيل الشمالية. وفي وثيقة سرّية كان قد أعدّها بن غوريون في 17 تشرين الأول عام 1941، كشف أطماع الحركة الصهيونية بمياه الليطاني، حيث جاء في مضمونها أن أراضي النقب القاحلة تحتاج إلى مياه نهري الأردن والليطاني، ومن الضروري أن يكونا مشمولين داخل حدودنا.
وفي غزوها لبنان عام 1982 استكملت إسرائيل سيطرتها على مياه الليطاني وحوّلت تلك المياه إلى الجليل، وانتقلت بعدها إلى حقبة جديدة في العمل عندما أعلنت على لسان خبيرها المائي توماس ناف في عام 1991 أن المياه في الأراضي العبرية المحتلة باتت جزءاً من إسرائيل، وهو ما عاد وأكّد عليه فيما بعد رئيس وزرائها الأسبق ونائب رئيس الوزراء الحالي شيمون بيريز عندما اعتبر أن أزمة المياه في المنطقة ستكون أهم من النفط. وفي المحصلة النهائية ينبغي الاعتراف بأن للكيان الصهيوني الغاصب أطماعاً مرعبة في ثروات لبنان وموقعه الجيوسياسي الذي يشكّل بوابة هامة من بوابات الشرق الأوسط وهمزة وصل بين الشرق والغرب.