أهم عنصر في عيش السرايا هو الكافيتريا. وأهم عنصر في الكافيتريا هو “عيش السرايا”، فالمثل يقول: “بطن ملآن كيف تمام… وآه يا سلام على الخدمة العامة ومتطلباتها”.
وبلا ضيقة عين. فتحقيق حلم الوصول إلى إحدى قمم هذه الخدمة حق مصان في شرعة الطموح اللبناني. ومن لا يصدق فليحدّق حوله، ثم يقارن بين تدبير الحال من لوازم البيت وبين التنقل بطائرة خاصة، وتحدي سفسطائيات الدول التي تحترم نفسها ولا تقتنع بتبريرات طالعة من العبقرية اللبنانية، وتلمح الى إمكانية تحويل المسؤول الشاطر الى القضاء، إن بتهمة نهب المال العام، أو بتهمة استغلال النفوذ أو ما الى ذلك من ممارسات أدت الى انهيار البلد.
لذا، من الموضوعية عدم استكثار اقتصار استغلال النفوذ على الكافيتيريا، التي تمد الحالم/الطامح وعائلته التي ستقيم معه بما لذ وطاب. فهو سيكون الزبون الأساسي، أي أنه سيأكل ويشرب على حساب الدولة. وبالطبع سينام ويغسل ثيابه حيث يقيم. وهذا “لعمري” لا يقارن بهدر مليارات الدولارات الذي كان يحصل. وعلى المسؤول أن يكون مثالاً في التوفير وترتيب الأوضاع، فيبقى راتبه على بركته ويدكه في القصبة تحسباً لغدر الزمان.
على الأقل، هنا لا تنقطع الكهرباء. ولا يعيره أحد أو يشهر به، لأنه يتمنع عن دفع خدمات المبنى وفاتورة المولد من جيبه الخاص، كما كان يحصل سابقاً. وهكذا سيرتاح ويريح جيرانه القدامى منه الى حين… ويكرس كل دقيقة وكل ثانية لخدمة الشأن العام، فلا يضيع وقته في التنقل. ولن ينتقده أحد على ضخامة موكبه، كلما دخل أو خرج من بيته.
وليس مستغرباً أن تتحول هذه التجربة الى مدرسة في الاقتصاد والسياسة. وبديهي الإعجاب ببعد نظر هذا الحالم/الطموح الذي يمشي على الخيط الرفيع لما يمنحه إياه الدستور، بما يحقق له هذه الرغبة المتهافتة على عيش السرايا.
ومن يرى غير ذلك، هو حاسد رافض لفكرة أن يتسلل الى المنصب مَنْ يُصنَّف مِن خارج النادي، ويستغل الفرصة وقد سنحت، على طبق من ذهب في زمن الإفلاس.
لنغيِّر زاوية الرؤية. من منا لم يحلم بمرقد عنزة؟ فكيف اذا كان المرقد سرايا بكل ما للكلمة من معنى. فلنتفهمه وإن بالحد الأدنى، ونتوقع منه أن يتمسك بكل هذا العز، مهما حاول المتظاهرون أن يجِنّوا ويستفزوا ويصعِّدوا.
علينا ان نستوعب ولمرة واحدة وحاسمة، أنه لا يمكن أن يستقيل، لا سيما بعدما نال المرتجى وتذوق نعمة النفوذ. لذا سيطبق ما يريده منه مشغله مقابل أن يبقى في مركزه، حتى لو تحول المكان الى قلعة منيعة مصفحة وسط الخراب والغضب، ولو اشتعل الشارع القريب منه بضعة مئات من الأمتار، وسالت الدماء تحت نوافذ حلمه وطموحه.
لا يهم. المهم أن الكافيتريا في الداخل.
لحظة!! ربما يفكر المتلهف الى السرايا أن إقامته موقتة. لذا لا يسمح لنفسه بتبديد الوقت، فيستغله، ويستفيد من كل ثانية ليشبع طموحه قبل ان يدق الجرس وينتهي العقد ويغادر بخفي حنين، وتحت أضراسه لا تزال طعمة “عيش السرايا”.