أثارت موافقة استثنائية لوزارة الزراعة ومديرية الثروة الحيوانية، على السماح لإحدى المؤسسات باستيراد الأجبان البيضاء، موجة من الانتقادات بين المربّين وأصحاب معامل الألبان والأجبان. وقد انتشرت صور الموافقة، المؤرّخة في 22 آب الفائت، على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بمربّي المواشي، مرفقة بانتقادات لأداء الوزارات المعنية من زراعة واقتصاد وصحة، وتقصيرها في حماية الثروة الحيوانية والإنتاج المحلي من جهة ومربّي المواشي من جهة ثانية.
يعرض نقيب مربي الأبقار السابق في لبنان خير الجراح واقع القطاع، ليشرح أسباب انتقاده موافقة المعنيين على الاستيراد. فيكشف أن “إنتاج لبنان من الحليب الطبيعي تراجع إلى 200 طن يومياً بعدما كان قد وصل منذ سنوات إلى 600 طن”. وهذا يعني، بحسب الجراح أن “صغار مربي الأبقار في لبنان، المقيمين في القرى والأرياف سينقرضون قريباً، بعدما كان عددهم يزيد على 1500”.
تقاعس الحكومة
يلفت الجراح إلى أن “لبنان ليس بحاجة إلى استيراد الألبان والأجبان، بل إلى تشجيع المزارعين ومربي المواشي على الصمود، وتفعيل أجهزة الرقابة الصحية والغذائية لكشف جودة الحليب والألبان والأجبان التي تصل إلى لبنان، أو تُصنّع في السرّ لتنافس الإنتاج المحلّي”، مؤكداً على “وجود عدد كبير من المعامل التي تعمل سراً، وتستخدم موادَّ مثل الجيلاتين والزيوت المهدرجة، والتي تبيع منتجاتها بأسعار منافسة، تهدّد صحة المواطن”. ويذكّر الجراح بـ”اجتماع حصل منذ أشهر بين ممثلين عن مربّي الأبقار وممثلي وزارات الاقتصاد والصناعة والزراعة، تم التوافق خلاله على تشكيل لجان لفحص منتجات الألبان والأجبان التي تُوزّع في السوق المحلّي، وعلى نفقة أصحاب مزارع الأبقار، لكنّ الوزارات لم تفعل شيئاً، وأهملت صحة المواطنين وتركت أصحاب المزارع يبيعون أبقارهم، علماً أننا طلبنا من الوزارات المعنية تصريف إنتاج لبنان بفرض بيعه إلى المنظمات التي تقدّم المساعدات إلى اللاجئين، لكننا لم نجد آذاناً صاغية”. ويرى الجراح أن جميع الأسباب “اجتمعت للقضاء على الثروة الحيوانية في لبنان، من بينها ارتفاع كلفة الأعلاف، إذ ارتفع ثمن طن التبن خلال سنة واحدة من 130 دولاراً إلى 280 دولاراً”.
تراجع إنتاج الحليب الطبيعي إلى 200 طن يومياً بعدما كان قد وصل إلى 600
تراجع أعداد المربّين
بدوره يؤكد علاء الأخضر، صاحب معمل للأجبان والألبان في صيدا، أن “إنتاج المعمل تراجع هذه السنة أكثر من 50%، بسبب تراجع أعداد مربي الأبقار في المناطق الجنوبية، ولأن كميات كبيرة من الأجبان يتم استيرادها من الخارج بأسعار متدنية جداً، علماً أن الأجبان عالمياً ارتفعت أسعارها، لكن ما يتم استيراده أو تهريبه إلى لبنان هو خارج المواصفات القانونية، وقد زاد عدد المعامل في لبنان التي تبيع مشتقات الحليب المصنّعة بأسعار متدنية، ودون رقابة”.
نقيب مربي الأبقار في جنوب لبنان فادي ضاوي واحد من أكبر المتضرّرين، فهو اضطر إلى بيع كل ما يملكه من الأبقار، بعدما كان يملك 40 رأس بقر، من بينها 25 بقرة حلوباً. يتهم ضاوي الدولة بـ”ضرب الثروة الحيوانية، من خلال سماحها باستيراد الأجبان من الخارج، حتى إن أصحاب معامل الألبان والأجبان قرّروا أخيراً تسلّم كميات قليلة من الحليب من مربّي الأبقار، ما زاد من خسائر المربين”. وهذا ما أكده مدير معمل الأخضر في صيدا، معيداً السبب إلى “الاستيراد والتهريب وانتشار المعامل التي تضيف موادَّ إلى الحليب مثل النشا والصوديوم والزيوت المهدرجة…”.
يلفت ضاوي إلى أن “عدد مربي الأبقار في الجنوب تراجع بنسبة 70%، ففي بلدة عيترون وحدها كانت توجد 33 مزرعة لتربية المواشي بينها 27 مزرعة لتربية الأبقار، لكنّ هذا العدد وصل اليوم إلى 12 مزرعة صغيرة، كلّ مزرعة لا يزيد عدد أبقارها على 4 أو 5 بقرات”. ويذكر أن “أحد أصحاب المزارع الكبيرة في منطقة النبطية كان من أكبر مربّي الأبقار في لبنان، ينتج تقريباً حوالي 13 طناً من الحليب يومياً، وهو أقفل مزرعته أخيراً، وبات يشتري الحليب المجفّف وينتج الألبان والأجبان ليحقق الربح الوفير”. لافتاً الى أن “سعر كيلو الجبنة البلدية في لبنان لا يقلّ عن 300 ألف ليرة، بينما يصل سعر كيلو الجبنة المصنّعة من الحليب المغشوش إلى 120 ألف ليرة، والمستهلك يشتري الأقل ثمناً”.
خارج المواصفات
وفي هذا الإطار يشير الجراح الى ضرورة “تفعيل الرقابة بالكشف عن محتويات الأجبان والألبان المنتشرة في السوق، وعدم ترك الخيار للمستهلك، الذي لا يدرك أن ما يشتريه غير صحي وخارج المواصفات الصحية”، كما يكشف ضاوي عن أنه “قدّم شكوى قبل أشهر في حقّ أحد المعامل الذي ينتج أصنافاً خارج المواصفات، فتم توقيف صاحبه لساعات وأعيد فتح المعمل ليلاً”.
الجدير ذكره، بحسب النقيب ضاوي أن “البقرة الواحدة التي تنتج عادة 25 كيلو من الحليب تحتاج إلى 13 كيلو من العلف، 4 كيلو تبن و16 كيلو من الذرة مخمرة. علماً أن طن العلف قبل الأزمة كان ثمنه 350 دولاراً ووصل اليوم إلى 500 دولار تضاف إليه كلفة التوصيل، وكلّه مستورد، بينما كان ثمن طن التبن قبل الأزمة 200 دولار وهو الآن 330 دولاراً”. وبحسب أحد مربي الأبقار في الجنوب فإن “سعر كيلو الحليب المحدّد أخيراً من وزارة الاقتصاد هو 79 سنتاً، لكنّ أصحاب معامل الألبان والأجبان لا يلتزمون به ويشترونه من المربين بسعر متدنّ جداً قد لا يزيد على 20 ألف ليرة، أو يلجأون إلى شراء الحليب المغشوش”.
الوزير لن يوقّع!
أوضحت مصادر وزير الزراعة أن قرار السماح باستيراد الجبنة البيضاء من سوريا ومن الدول العربية «كان ضمن فترة أشهر الصيف، إذ يقلّ إنتاج الحليب خلالها في لبنان». وأكّدت المصادر أن الوزير «أخضع الاستيراد لإجازة على مدى العام، فلا استيراد من دون إجازة من الوزير وهو «لن يوقّع على أيّ إجازة حمايةً للمنتج الوطني».