إنسحبت الأزمة المعيشية على عمل المخاتير، أصابتهم في صميم حياتهم، لم يتخلّوا عن دورهم الخدماتي، في حين تخلّت الدولة عنهم. لم يجد المختار حسن حنجول غير كلمة «الله يعينّا» ليعبّر عن وجعه من واقع الحال. سنوات مرّت وهو مختار لبلدة عربصاليم، يقدّم خدماته شبه المجّانية لأبناء البلدة. فالمختار برأيه «وجد للخدمة»، غير أنّ ما يعانيه هو الطبابة، فالضمان الاختياري الذي ينضوي تحت لوائه أسوة بكل المخاتير، ما زال عالـ1500، وبات عليه اليوم تحمّل عبء كلفتها المرتفعة.
أزمة تنضمّ إلى رزمة الأزمات التي سببها الانهيار. تتجسّد بطبابة المختار وكلفة علاجه. نسبة لا بأس بها من المخاتير تقف عاجزة عن تأمين الدواء والاستشفاء ولا تجد غير كلمة «الأزمة كتير صعبة» لتعبّر عن سخطها من واقع الحال.
عجز أحد مخاتير حاروف من آل بدر الدين عن دفع ثمن علاجه من مرض السرطان، فتح ملَفّ طبابة المخاتير على مصراعيه، فعلاجهم بالفريش دولار، في وقت لا يتقاضى المختار أجراً، وما يحصّله من رسوم معاملات يومية لا يكفي لشيء.
يقول ابن المختار بدر الدين: «المختار لا قيمة له، إذا وقع لا يجد من يقف قربه بالرغْم من أنّه يخدم الكل، مشكلتنا مع الضمان وغياب راتب شهري يحمي المختار في مرضه، اليوم نقف عاجزين فالضمان لا يغطّي شيئاً والمستشفى يطلب «فريش» ووضع والدي يتدهور».
ما زالت المخترة في منطقة النبطية والجنوب شبه مجّانية، لم تتحوّل تجارة كحال مخاتير المدن، فواقع القرى يفرض نفسه، والعلاقة بين المختار والأهالي ما زالت «أهلية بمحلية»، ولكن من يقف بقرب المختار في مرضه؟ وأين يصرف طابع المختار؟
يقول المختار محمد بيطار إنّ «الوضع مش ماشي»، ولا توجد رابطة مخاتير تهتمّ بواقع المختار، في حين يعاني كثيراً، ويتحمّل وزر حلحلة مشكلات الناس، يسعى لتأمين دواء لـ»فلان» ومساعدة لـ»علتان»، ولكنه يخجل من طلب الدعم له بثمن دواء يراه صعباً، ويعدّه «مخجلاً، المختار يطالب بمساعدة مرضية! لا نتقبل الأمر على رغْم حاجتنا له».
ما يطالب به هو تحسين واقع الضمان الاختياري، «أقلّه لنؤمّن أّن صحّتنا لم تتأثّر بالأزمة. لم يعد المختار قادراً على تحمّل عبء الطبابة، قد يصمد في مواجهة أزماتة المعيشية، ولكن حين يتعلّق الأمر بصحتّه تسقط كل المعايير».
يقرّ غالبية المخاتير أنّ واقعهم ليس بخير، لم يتحوّل عملهم تجارة، ولم يتمّ رفع كلفة معاملاتهم كثيراً، ما زالت المعاملة بـ50 و100 ألف ليرة، معظمها طوابع، وما ينتجه المختار في القرى اليوم لا يتجاوز الـ10 دولارات في الحدّ الأدنى لا تكفي بدل نقل. يتخبّط المختار جمال فرّان بملفّ طبابته وطبابة زوجته، كلاهما يعانيان أمراضاً مزمنة تتطلّب أدوية دائمة، هذا الأمر بات موجعاً بالنسبة له، يتّخذ من المخترة اليوم عملاً له إلى جانب عمله في مهنة أخرى. لم يتخيّل أن يصل به الحال الى حدّ يعجز فيه عن شراء الدواء «مؤلم هذا الأمر، أن تحتاج إلى دواء وكلفته عالية».
يعاني المختار فرّان كما المختار حنجول من داء السكّري، يقرّان أنّ العلاج باهظ الثمن، فدواء السكّري تبلغ كلفته 4 ملايين ليرة شهرياً، وهو مبلغ لا يعيد منه الضمان الاختياري الا ما ندر، يقول حنجول إنه تحوّل نحو الدواء البديل «لا خيار أمامنا».
ولكن أين يذهب مردود طابع المختار؟
في محافظة النبطية قرابة 500 مختار تقريباً، ينضوون داخل رابطة المخاتير، لديهم ضمان اختياري، وخصّص لهم طابع المختار الذي رُفعت قيمته من 1000 ليرة إلى 5000 ليرة لبنانية، غير أنّ مختار جديدة مرجعيون كامل رزوق يقول: «رفعت الرسوم ولم نرَ شيئاً». برأيه، أموال الطابع كان يفترض أن تكون سندهم في الأزمات، «غير أنّها تبخّرت ولا نعرف كيف تصرف وأين تذهب، لم نرَ منها شيئاً».
في السابق، كان يتّكئ المختار على صندوق المخاتير المالي وطابع المختار الذي كانت كلفته 1000 ليرة رفعت اليوم لتصبح 5000 ليرة لبنانية، وكل معاملة تحتاج الى 5 طوابع مختار و25 ألف ليرة طوابع أميرية، تذهب أموال طوابع المختار إلى صندوق مخصّص لهم تحت اشراف رابطة المخاتير، إلا أنّ رزوق يسأل «أين هو صندوق المخاتير المالي، ومن يستفيد منه، في وقت نعاني من أزمة كبرى، تخلّينا عن كلّ شيء، حتى طبابتنا مهددّة نعتمد عالشحادة لتأمين الدواء، هذا الأمر يفترض بالمعنيين العمل على إيجاد حل له، المختار مش عالهامش». يعتمد عدد من المخاتير على المخترة في حياتهم، وهناك جزء لا بأس به يعمل في مهن أخرى، حتى «رسوم المعاملات لا تكفي لتأمين مقوّمات ثبات»، يقول رزوق، لافتاً إلى أنّ «أجرة راكب التاكسي من مرجعيون إلى بيروت 400 ألف ليرة، ومعاملة المختار بـ100 ألف ليرة. هذه المقاربة يحاول بواسطتها رزوق توصيف واقع ومعاناة المخاتير، فالمخترة في القرى الجنوبية ما زالت شبه مجّانية، واحياناً لا يتقاضى المختار رسوماً»، ما دفعه للقول: «ما في إنصاف، ودور المختار يتلاشى».