IMLebanon

المقترضون والمصارف وثالثهما… الرهان القاتل

 

 

عدم سداد الديون تحوّل الى مصلحة مشتركة لكلا الطرفين

 

توقُّف الكثير من الافراد والمؤسسات عن سداد ديونهم للمصارف، يقابله عدم إلحاح الأخيرة على مطالبتهم بالدفع وتريثها في رفع الدعاوى القضائية. فهل يستمر هذا الوضع بعد فتح البلد وانتفاء كورونا؟ أم ان للمصارف حسابات أخرى تتخطى ضبابية الجائحة العالمية، لتصل إلى وضوح رؤية السياسة النقدية داخلياً؟

 

من منّا، نحن جمهور المقترضين، لم تصله رسالة تذكيرية بوجوب سداد سند قرض ما او الدفعة الشهرية لبطاقة الاعتماد. كانت العملية متدرجة، تبدأ برسالة نصية قبل الإستحقاق بأيام، تتبعها مخابرة من موظف/ة في حال التأخر أكثر من أيام معدودة عن الدفع، ثم اتصال آخر أقل لطفاً… وصولاً إلى دائرة الشؤون القانونية. إجراءٌ افتقده المقترضون منذ بداية ثورة تشرين. وهو ان حصل فيكون لمجرد التذكير الخجول أو كما يقال بالعامية “رفع عتب”. فهل المصارف متحسسة مع المواطنين وما يمرون به من ضائقة معيشية وانخفاض قدراتهم الشرائية، أم هي “متحسسة” من قبض سندات القروض بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي الصامد عند 1515 ليرة؟

 

مصلحة مشتركة

 

تقدّر قيمة القروض المعطاة إلى القطاع الخاص بحدود 70 الف مليار ليرة لبنانية. وإذا اعتبرنا ان نسبة دولرة القروض هي 70 في المئة، فان قيمة القروض بالدولار تبلغ حوالى 33 مليار دولار، فيما تبلغ قيمة القروض بالليرة ما يعادل 12 مليار دولار. الرقم الذي يصل إلى حدود 45 مليار دولار يشكل الوجه الآخر لأزمة المصارف بعد توقف الدولة عن سداد ديونها المتمثلة بـ “اليوروبوندز” وشهادات الايداع. فالمواطنون مضطرون ان يدفعوا سندات قروضهم بالعملة الاجنبية، بالليرة اللبنانية على السعر الرسمي، بعدما توقفت المصارف وشركات تحويل الاموال عن اعطاء الدولار. أما القروض بالليرة فوضعها ليس أحسن حالاً، فالمصارف تخسر بكل سند ما يوازي نسبة التضخم. وعليه فان عدم سداد الديون تحول الى مصلحة مشتركة حالياً لكلا الطرفين. “على غرار ما يحدث في معظم دول العالم بعد تفشي أزمة كورونا، فان المصارف اللبنانية أخذت قراراً بامهال المقترضين بضعة أشهر لسداد قروضهم”، يقول الخبير الاقتصادي جان طويلة. هذا في الشكل، أما في المضمون فان “المصارف تنتظر نتيجة المفاوضات مع الدولة من جهة ومع صندوق النقد الدولي من الجهة الثانية لتحديد مصير القروض. فخفض سعر الصرف الرسمي إلى مستوى السعر السائد في السوق ليس تفصيلاً بسيطاً بالنسبة إلى المصارف. صحيح انه سيكون عادلاً بالنسبة اليهم، إلا انه في المقابل سيُعجز النسبة الاكبر من المقترضين الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية عن السداد، وسيطيح بالقاعدة العامة التي توجب عدم زيادة القسط الشهري عن ثلث الراتب. في حين يعتبر القبول بالليرة خسارة للمصارف. إذ انها مجبورة ان تدفع فرق سعر الصرف، خصوصاً بعد امتناع المركزي عن مدها بالدولار النقدي لتسهيل عمليات الصرف على السعر الرسمي”.

 

المؤونات على “المتعثرة”

 

إرتفاع نسبة القروض المتعثرة أو المشكوك بتحصيلها مطلع هذا العام إلى 25 في المئة على أقل تعديل، يوجب المصارف على أخذ المؤونات اللازمة عليها. وهو ما يؤثر سلباً على نسبة السيولة ويحد من قدرة المصارف على الإقراض او فتح الاعتمادات أو اجراء ابسط العمليات بين الداخل والخارج. لذا فان أغلبية المصارف تعمد مع الكثير من الزبائن “إلى إعادة الهيكلة الناعمة soft restructuring، أي التفاوض على الديون بطريقة غير رسمية. وهذا ما يجنبها تكلفة أخذ المؤونات بقيمة 110 في المئة من قيمة القرض”، بحسب المستشار المالي د.غسّان شمّاس.

 

إذا وسعنا البيكار أكثر فان تعثر 25 في المئة من المقترضين يعني عملياً عدم سداد أكثر من 11 مليار دولار من القروض، وهذا ما يوازي أكثر من نصف رأسمال المصارف. وبالتالي فان المصارف التي تتجه الى التشدد ورفع دعاوى قضائية بحق الممتنعين عن الدفع تكون كمن أراد ان “يكحلها فيعميها”، يقول شمّاس.

 

لغاية اللحظة ما زالت البنوك ترضى بسداد القروض الاجنبية بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي، إلا انها ترفض تسديد كامل المبلغ تحسباً لتغير سعر الصرف رسمياً قريباً، وتحملها خسارة كبيرة كان من الممكن ان تتفاداها. لكن ماذا سيحصل في حال تغير سعر الصرف رسمياً؟ كيف ستتعامل معه البنوك وما مصير القروض والمقترضين؟

 

المؤشر

 

هذا السؤال الذي يتردد على كل شفة ولسان سنصل اليه قريباً، وإن لم يحصل اليوم سيحصل في الغد القريب على ابعد تقدير. من هنا يجب الانتباه إلى ان “القروض بالدولار يجب ان لا تقيّم على أساس سعر الصرف الجديد. فيصبح على سبيل المثال قرض الشقة بقيمة 200 الف دولار يساوي 800 مليون ليرة. أو العكس الصحيح بالنسبة الى المصارف وقروض الليرة اللبنانية”، برأي شماس. “بل يجب خلق ما يعرف بـ indexation أو المؤشر الذي تُربط به القروض. تحدد قيمة هذا المؤشر او “الوحدة” بمجموعة معطيات منها التضخم وحجم الناتج وغيرها من المؤشرات الاقتصادية. فيصبح على سبيل المثال ان دولار القرض يساوي 2.5 وحدة أو اكثر. أما قيمة هذه الوحدة فليست ثابتة بل تتغير صعوداً ونزولاً بتغير المؤشرات. وهذا ما حصل في تشيلي، كولومبيا، ايسلاند وغيرها الكثير من الدول”.

 

بانتظار ما سيرشح من اعادة رسم السياسة النقدية بين الجهات المعنية، فان ما أصبح مؤكداً هو الاتجاه المستقبلي لمنع التعامل بالدولار رسمياً وتحول الاقراض إلى الليرة اللبنانية حصراً. فهل تصمد ويصمد معها اللبنانيون؟