عند تشكيلها، اتخذت هذه الحكومة شعاراً لها «استعادة ثقة المواطن بالدولة».
اعتقد المواطنون من قبيل التحلّي بحسن النيّة، ان اول حكومة في عهد العمال ميشال عون، حتى ولو لم تعتبر حكومة العهد الاولى، ستكون مختلفة عن الحكومات التي سبقت، وكم كانت خيبة المواطنين كبيرة مع مرور الاشهر، على الرغم من «الانجازات» التي حققتها الحكومة، بسبب تدهور الوضع الاقتصادي ـ الاجتماعي من جهة، واستمرار الفساد وهدر المال العام من جهة ثانية، ولذلك فشلت حكومة سعد الحريري في اكتساب ثقة المواطنين، بل ازدادت نسبة عدم الثقة بالحكومة مع انكشاف مساوىء النظام النسبي الذي اعتمد في قانون الانتخابات الجديد على قاعدة «تمخّض الجبل فولد فأراً».
في هذه الفترة المأزومة اقتصادياً وسياسيا ومالياً، وفي غمرة التهديدات الاسرائيلية المتواصلة، وخروقاتها المتكررة، حسناً فعل سعد الحريري بالتوجّه الى فرنسا صديقة لبنان التاريخية، طالباً دعمها ومساعدتها اوروبياً ودولياً وعربياً لتنفيذ خطة اقتصادية انقاذية واعدة تبدأ بدعم الجيش والقوى الامنية في مؤتمر روما ـ1، وبتحديث وتطوير البنى التحتية وتمويل المشاريع القصيرة والمتوسطة الأمد لتحقيق فرص عمل لآلاف الشباب اللبناني ومعالجة مشاكل الماء والكهرباء وغيرها من المشاريع في مؤتمر «سيدر ـ1» الذي عقد في العاصمة الفرنسية وحصل لبنان بموجبه على قروض ميّسرة وهبات بقيمة 11 مليار دولار، قابلة للزيادة في حال نجحت الحكومة بتنفيذ الملاحظات «الشروط» التي وضعتها الدول والمؤسسات المالية المانحة، وعند هذه النقطة بدأت فئران التخوّف وعدم الثقة، تلعب في صدور اللبنانيين، لايمانهم بأن اغلبية الطبقة الحاكمة منذ عقود ستعود الى مجلس النواب، ومنه الى الحكومة مع مرشحين «صاموا» كثيراً واقلّ ما يقال فيهم انهم لا يشبهون امرأة قيصر، وبالتالي فان الدين العام سيرتفع فوراً الى حوالى 91 مليار دولار، عدا خدمة الدين العام التي ترتفع حتماً بنسبة محترمة، وعندها لن ينفع «بكاء اللبنانيين وصرير اسنانهم» لأن الدولة عندها ستكون في خبر كان.
*****
ان كلمة الرئيس سعد الحريري في المؤتمر الاغترابي الذي عقد في باريس، كشفت عن نيّته الطيّبة في تحقيق الاصلاح مهما كلّف الامر من جهد، وهذا أمر جيد ومطمئي الى حدود البدء في عملية الاصلاح، لان حديث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى التلفزيون الفرنسي، يكشف صعوبة مكافحة الفساد، إن لم يكن استحالته، عندما يقول أن «هناك من يحمي الفاسدين، وهم من اصحاب النفوذ…» خصوصاً عندما ينوي «الكشف عن مرتكبي الفساد ومحاسبتهم»، واللبنانيون الذين يعرفون الطغمة الفاسدة بالاسم، يعرفون ايضاً كيف يتحوّل فعل الاصلاح الى فعل على الارض يلبس لبوس الطائفية والمذهبية والسياسية، لتعود كل «عنزة وتتعلّق بكرعوبها» فيفشل الاصلاح وتفشل الدولة وينتصر الفساد.
تشاؤمي؟ يمكن، لكنها دعوة الى الجرأة والاقدام على عمل رسولي لانقاذ لبنان مهما كان الثمن، والخطوة الاولى تكون بابعاد الفاسدين عن الدولة وعن المال العام، وتقوم ايضاً منذ اليوم بتوفير اجواء من الأمن الحقيقي والاستقرار والجدّية والحزم في اجراء الانتخابات النيابية، ليتاح الى كل مرشح للانتخابات ان يعمل معركته بحرّية وديموقراطية بعيداً من الضغوط على انواعها، فليس المهمّ ان تفصل 20 الف عنصر أمني لمواكبة الانتخابات، بل المهم ان يقوم هؤلاء بعملهم بكثير من الشجاعة والتجرّد والحياد، ليصل الى المجلس النيابي نواب اختارهم الشعب واقترع لهم، وليس من فرضتهم الرشوة والتهديد والتزوير والحوادث الامنية المتعمّدة.