IMLebanon

تسويات موضعية..

 

ترياق العراق لم يأتِ من خارج السياق! ولا أحد يمكنه الادّعاء بأن ما حصل بالأمس من إنهاء للاقفال الدستوري والسياسي والحزبي بما أدى إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتعيين رئيس للوزراء بعد أيام من انتخاب رئيس للبرلمان.. أن ذلك في خلاصته، تمّ فقط نتيجة نضوج الوعي الوطني العام عند المعنيين في بغداد ومقطوع الصلة بتأثيرات المؤثرين إقليمياً ودولياً!

 

إنفكاك العراق من أزمته المثلّثة كان يُفترض أن لا يتم بحسب قرّاء اللحظة الراهنة المأزومة إيرانياً – أميركياً! بل أن هذه اللحظة أعطت لهؤلاء القرّاء زاداً واقعياً وليس متخيّلاً. بحيث أن ضراوة الاشتباك الحاصل مع صنّاع القرار وأهل السلطة في طهران أعطى صدقية للافتراض القائل بأنّ هؤلاء، على طريقتهم المعهودة، سيحرقون الأرض في وجه الأميركيين لكن بواسطة الأوراق والأدوات والملحقات والساحات التي يدّعون امتلاكها أو النفوذ فيها! وأن ذلك سيعني التمترس عند التأزيم وعدم “التنازل” وإعطاء أي إشارة قد تُفهم أنها تراجعية في التوقيت الغلط!

 

وذهب كثيرون إلى توقّع الأسوأ من اليمن إلى لبنان مروراً بالعراق واستندوا (مجدّداً) إلى التاريخ القريب المليء بعيّنات وأمثلة عن كيفية استثمار إيران في أزمات الدول المنكوبة بـ”نفوذها” أو “حضورها” أو “وزنها” أو أتباعها ومُلحقيها وأحزابها، من أجل تعزيز مكانتها الخاصة! وتثبيت سعيها إلى العُلى! ووصولها إلى مراتب الدول القطبية والمحورية والعظمى! وكيف أنها لا تهتم كثيراً أو قليلاً بـ”التفاصيل” في سبيل ذلك. أكانت هذه مثلاً تعني تدمير بلد مثل سوريا وإنزال البلاء بأهله! أو إضافة بؤس كوارثي إضافي على البؤس الكوارثي المقيم أصلاً في اليمن! أو الإمعان في تفتيت العراق و”الحرص” على تفخيخ أي طريق يمكن أن تعيده إلى شيء من أَلَقِهِ ووحدته ودولته.. أو ترك لبنان أسيراً لأزماته بما يبقيه ساحة مستباحة وليس دولة محتملة وقادرة!

 

إستند هؤلاء القرّاء الكثيرون إلى هذا المدَد في توقّعهم الأسوأ، وكانوا في مكان ما محقّين وواقعيّين. لكن فاتتهم “الصورة الشاملة والمستجدّة” التي تتضمن شيئاً حاسماً هو أن الأميركيين تغيّروا مع دونالد ترامب! وأن الأوروبيين يتكيّفون مع هذا التغيير وإنْ تحت سقف المماحكة بالتمسّك بـ”الاتفاق النووي”. وأن الجانب العربي (الخليجي والسعودي خصوصاً) قرّر المواجهة دفاعاً عن كيانه وقيمه ومصالحه واستقراره وثرواته وسلمه الاجتماعي والوطني.. وأن ذلك عنى ويعني وسيعني أكثر، ردّ بضاعة الابتزاز إلى مصدّريها في طهران! ثم إشهار المواجهة ذات الطابع الدفاعي مع نهجها الجامح وسياساتها الخارجية و”الصاروخية”.. وأن ذلك زاد على أسباب انكشاف الوضع الداخلي الإيراني بجملته وأوصله إلى ما اختصره رئيسها السابق الشيخ محمد خاتمي بالأمس بأنه صار يتراوح بين خياري “الانقلاب أو الثورة”!

 

كان واضحاً منذ انطلاق صافرة “الهجوم” الأميركي البارد بالعقوبات والحصار الديبلوماسي والسياسي.. أنّ طهران حاولت وتحاول “احتواء” ذلك الهجوم، وعدم الاصطدام الحار به! مراهنةً على عامل الوقت و”متاعب” دونالد ترامب الداخلية. واعتمدت وتعتمد مضطرة وليست مختارة التسويات الموضعية والجزئية أينما أمكن ذلك في سياق السياسة الاحتوائية تلك، ثم ترجمة لانكشافها المأزوم داخلياً بطريقة غير مسبوقة منذ أربعة عقود.. ثم “إنتباهها” إلى أنها وحدها في سياستها الخارجية من دون حليف أو صديق أو “متفهّم”!

 

“التسوية” التي فكّت أزمة المواقع السيادية في العراق، سبقتها “تسوية سوتشي” الخاصة بإدلب.. وبهذا المعنى وحده يُفترض “تصديق” رغبة “حزب الله” في نواحينا بالإسراع في تشكيل الحكومة العتيدة وكبح غلواء بعض الأنويات الطافحة والجامحة؟!