IMLebanon

قلق محلي واقليمي من انتصار حزب الله

هل يُتوِّجُ «حزب الله» انتصاره الاساس، الذي حققه على العدوان الاسرائيلي قبل احد عشر عاما، بانتصار جديد في معركته لاستئصال التنظيمات الارهابية في جرود عرسال،؟ السؤال يفرضه تزامن ما يجري من انجازات عسكرية ميدانية يحققها مقاتلو الحزب، مع الذكرى الحادية عشرة للهزيمة الاسرائيلية المدوية التي تظهَّرت صورتها في الرابع عشر من آب عام  2006، وما دام التوقيت الذي وُضع لبدء «العملية الجراحية» التي يقوم بها بضع مئات من المقاتلين، للخلاص من البؤرة الارهابية التي عشعشت على مدى السنوات الست الماضية، جاء ليُلبي نضوج الظروف التي اســتدعت القيام بمثل هذه المعركة، بعيدا عن اي حسابات او ارتباطات بأجندات وأولويات اقليمية او دولية، وفي حسابات «حزب الله» فانه كان من المبكر البدء بالمـــعركة يوم الاربعاء الماضي، ولو بدأت غدا… لكانت متأخرة.

بهذه الحساسية والدقة تتسم معركة جرود عرسال التي يخوضها «حزب الله» لليوم الرابع على التوالي تقول مصادر متابعة، وقد سجلت العديد من الانجازات العسكرية في الميدان الجردي الذي حوَّل بلدة عرسال بأهلها وأرضها رهينة، بطش بها الارهاب من ابنائها، سعيا لتحويلها الى بؤرة لا تشبه نسيجها الاجتماعي وتاريخ البلدة الحافل بالأعطية، وبخاصة في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب، فما يُميِّز عرسال عن جاراتها من القرى والبلدات الجنوبية، انها كانت الاقرب الى المقاومة في الجنوب، من خلال انخراط العشرات من ابنائها في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي، واستشهاد عدد منهم في مواجهات بطولية جرت مع الاحتلال الاسرائيلي، ومن هؤلاء من استشهد داخل مزارع شبعا المحتلة، كل ذلك قبل ان يسمع اللبنانيون بالنقاش العقيم الذي دار حول «لبنانية» المزارع  التي ما تزال محتلة منذ حرب العام 1967.

قد لا يطل امين عام حزب الله الســيد حسن نصرالله  في يوم الانتصار في الرابع عشر من آب المقبل، وهي من المناسبات الاكثر خصوصية بالنسبة للسيد نفسه… ولـ«حزب الله»، الا ويكون في جعبته ما يوازي معاني الذكرى الحادية عشرة لهزيمة الاحتلال، وليس هناك ما يوازيه سوى هزيمة الارهاب في لبنان، واستـئصال مربعه الامني القائم على بضع مئات من الكيلومترات، تمتد من جرود عرسال الى جرود فليطا والجراجير و المتداخلة مع الاراضـي اللبنانية عند الحــدود مع سوريا.

لم تمضِ ساعات على بدء المعارك التي اعلنها «حزب الله»، حتى راحت الرايات البيضاء ترتفع على التلال والوديان التي كانت تبعث السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة في ارض الميدان لم يكن امام الجيش اللبناني الا مواصلة مهامه في مطاردة الارهابيين من مواقعه العسكرية المنتشرة على طول خط الحدود في جرود عرسال، والتكامل والتنــسيق الذي يفرضه الواقع الميداني المتحرك بين اطراف صديقة تقاتل الجهة الارهـابية نفسها في الارض نفسها، وان كانت «العملية المحدودة والمدروسة» للجيش تحولت بفعل الواقع الميداني العسكري المتحرك الى مشاركة حقيقية ، ومن دون تجاوز الحدود الدولية مع سوريا، وهذا من صميم مهام ووظيفة الجيش، والتلال والروابي والاودية الواقــعة في جغرافيا صعبة، بعضها يقع على ارتفاع يفـوق الالفي متر عن سطح البحر، لم يعــان فيها مقاتلو «حزب الله» من مشقة كسر خطوط الدفاع الاولى للتنظيمات الارهابية المحتصنة منذ ست سنوات، السيطرة على التلال الحاكمة التي تتــسم بطابع اسـتراتيجي وتحريرها من قبضة الارهاب.

ولا يغيب عن بال احد من المتابعين للتطورات الدراماتيكية المتعلقة بمعركة عرسال التي تشق طريقها الفعلية باتجاه استئصال ورم التنظيمات الارهابية في جرود عرسال، ان جهات محلية واقليمية سعت الى ابعاد شبحها، انطلاقا من حسابات تتجاوز الحسابات الداخلية التي تحضر «ملائكتها» على الدوام، وهي تتعلق بهواجس ومخاوف من ان انجازا جديدا يسجله «حزب الله»، يعني هزيمة جديدة غير مرغوب بها تُلحق بالمعسكر المعادي للمعسكر الداعم لسوريا، في ظل الانكسارات الحاصلة على جبهات القتال في الداخل السوري، وهي انكسارات اصابت في الصميم اهداف الحرب على سوريا التي بدأ قبل اكثر من ست سنوات، وبالتالي اضعاف حلفائها وفي مقدمهم «حزب الله»، والمراهنة بذلك على اضعاف النفوذ الايراني «المقلق» في المنطقة، وهي رغبة اقليمية ودولية … قبل ان تكون محلية.

فالضغوط التي مارسها في الداخل اللبناني من اُصــيب بـ «خلل» في الانتماء الوطني كانت في غير اتجاه تضيف المصادر، وترجمته فضيحة «الاستدعاء» للاستفسار عن دور الجيش في اي معركة تٌشن من الجانب السوري من الحدود، ثم جاء التسويق لغطاء حكومي للجيش اللبناني  لعملية عسكرية محدودة للجيش اللبناني في جغرافيا كبيرة تسيطر عليها التنـظيمات الارهابية في الجرود تتجاوز الـ 300 كيلومتر مربع، وهي مساحة تستلزم في العلوم العسكرية حربا، لا عملية محدودة تنتهي خلال ســـاعات، مع ان اخطر ما واجهه «حزب الله» من ضغوط  قبل ايام على بدء المعركة في الجرود، التــسويق لحرب مذهبية بين ابناء المنطقة وشحن «الجماهير» على الموجة المذهبية، وربط ذلك بالحـديث عن تداعيات المعركة التي يشنها «حزب الله»، ووضع ابناء بلدة عرسال في موقع المتعاطف او الداعم للارهــاب، وهو موقع ليــــس لهم، طالما ان المــعركة مع الارهاب الذي حولهم الى ضحية من ضحاياه، فســجل ابناء عرسال في زمن الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب يشهد على ذلك، وقيام بعض الجهات بالاستــثمار في ملف النازحين السوريين، من خلال حملات تشكيك بالمداهمة التي قامت بها وحدة من الجيــش لمخيم النازحين في عرسال، والمواجهة التي تخللتها، وانتهت باصابة جنود لبنانيين بجروح، جراء تفجير احزمة ناسفة من قبل ارهــابيين واثارة وفاة اربعة من الموقوفين، ومعاملتهم «بشدة»!. ومع الساعات الاولى للهجوم الذي نفذه «حزب الله»، وبمساندة جوية من طيران الجيش السوري، وبتكامل مع الجيش اللبـناني، سقـطت كل الاوهام التي راهن عليها البعـــض، وتبخرت التوقعات بفتنة سنية ـ شيعية، بعد نجاح «حزب الله» في محاصرة اي امكانية لدى التنظيمات الارهابية بالتسلل الى داخل بلدة عرسال، والذي كان يمكن في هذه الحالة، ان يحدث بعض الارباك ويزيد من المخاوف من تداعيات على البلدة، وهو واقع اسهمت فيه وحدات الجيش اللبناني المنتشرة في المنـطقة، لتسقط رهانات بعض الداخل بالـــتشويش على معركة  الجرود واهدافها، وزاد الامر وضوحا، مع ظهور حالة الارتياح التي عبر عنها العرساليون وابناء القرى المجاورة، وحماسهم للخلاص من الارهاب وتنظيماته، وصولا الى تحرير ارضهم وحقولهم ومزارعهم ومقالعهم.

لم يكن «حزب الله» متوهما ان معركته ستكون نزهة يُنجزها من دون تضحيات، ولا هو توقف عند «العدادات» التي نُصبت على عجل في قنوات ومحطات اعلامية ظهرت في صورة متعاطفة مع الارهاب، لتُحصي عدد «قتلاه»، منطلِقا من قناعته بان الاثمان الذي قد يدفعها الحزب في هذه المعركة من دماء مقاتليه، ستليق بانجاز كبير يتمثل بالقضاء على الارهاب بعد استئصاله من جذوره في الجرود، وفي حسابات «حزب الله» الذي لا تُفاجئه حـملات التشكيك التي تحوم حولها الشبهات، انه واجه اخطر منها خلال ايام العدوان الاسرائيلي على لبنان في العام 2006، وهو على قناعة بان الماكينات التي جرى استنفارها  لـ«شيطنة» «حزب الله» في معركة الجرود، كانت ستستنفر كما هي اليوم، في اي معركة يخوضها يكون فيها الحزب مشاركا، فهي نفسها تحركت مع مــعارك يبرود والقصير وتدمر وحلب والزبداني داخل سوريا، و«حزب الله» الماضي في معركته ومعركة كل اللبنانيين، لن يُفاجأ، حين تنتهي معركة الجرود بانتـصار صنعه مقاتلوه الشهداء والاحياء، بـ «ألغزوات» الانتخابية التي ستجتاح عرسال البلدة، بـ «هجمات» انسانية وتموينية تقدم للاهالي لتلميع الصورة ومصادرة المشهد ، وهؤلاء لن يُصابوا بالحياء وهم سيجاهرون بالقول «ان الدولة هي التي استأصلت الارهاب»!

ثمة من يسأل، و«بخبث»، النواب الذين زاروا بلدة عرسال في العام 2012، تحت شعار «الدفاع عن السيادة الوطنية، ووقف انتهاك سيادة لبنان من الجيش السوري (!) ومنعه اللبنانيين من استثمار اراضيهم الزراعية»!… عما اذا كانوا سيزورون عرسال لتهنئة اهاليها بالخلاص من الارهاب ؟، ولمن سيهدي السيد حسن نصرالله انتصار جرود عرسال؟، في استعادة للسؤال الذي طرحه النائب وليد حنبلاط، قبيل انتهاء العدوان الاسرائيلي على لبنان في مثل هذه الايام قبل احد عشر عاما.