تتقاطع المبادرات المحلية لانتخاب رئيس الجمهورية عند نقطة اساسية هي الحوار، لكن كل واحدة لها اسلوبها وفكرتها.
في البداية بادرت كتلة “الاعتدال الوطني” الى التحرك، انطلاقا من اجواء “اللجنة الخماسية” التي اكدت في حينه على الحوار، من اجل تحقيق التوافق او الحد الممكن منه لتسهيل انتخاب الرئيس. واستندت ايضا وفق تصريحات اعضائها، الى مبادرة الرئيس بري ودعوته للحوار الممهد لجلسة انتخاب الرئيس.
ورغم جولاتها المتتالية لم تنجح الكتلة في انتزاع توافق لحل عقدتين، برزتا امام انعقاد الحوار او التشاور: من يدعو للحوار ومن يرأسه. وقيل يومها ان حزب “القوات اللبنانية” فرض ايقاعه على المعارضين بالترويج لفكرة “التداعي للتشاور”، ثم رفع سقف موقفه لاحقا ليصر على الذهاب الى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية، من دون العبور اليها بجلسة حوار او تشاور.
ولاحقا انكفأت الكتلة لاسباب عديدة، منها ما يتصل بالعقدتين المذكورتين، ومنها ما يتعلق بضغوط اخرى.
وبرزت رغبة “اللقاء الديموقراطي” في القيام بمبادرة جديدة بعد زيارة وليد جنبلاط لفرنسا وقطر، وجولة الموفد الفرنسي جان ايف لودريان الاخيرة. وقيل ان الدوحة وباريس شجعتاه على القيام بهذا المسعى لاحداث خرق في جدار الازمة.
ومع بداية تحرك “اللقاء الديموقراطي”، ظهر مسعى ثالث لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي حرص على دوره هذا من موقع وسطي مماثل لموقع “الاشتراكي” و”الاعتدال”.
ويقال ان باسيل اتخذ القرار بهذه الخطوة في حلقة ضيقة للغاية، واعتمد على قلة من قيادة التيار في ترتيب جدول تحركه، بدءا من زيارة بكركي ثم الاجتماع مع بري.
ما الفرق بين مسعى “اللقاء الديموقراطي” ومسعى باسيل؟ يقول مصدر نيابي مطلع ان الطرفين مقتنعان بضرورة الحوار او التشاور للذهاب الى جلسة انتخاب الرئيس، لكن لكل منهما رؤيته لتحقيق هذا المسار. ويضيف المصدر ان “اللقاء الديموقراطي” يرى ان هناك مسافة وهوة كبيرة بين “القوات” و”الثنائي الشيعي”، وانه يجب تشكيل قوة ضاغطة من اجل تقريب المسافة بينهما، على قاعدة تغليب لغة التلاقي والحوار او التشاور الجامع، لاحداث الخرق الجدي باتجاه انتخاب الرئيس.
اما مسعى باسيل، بحسب المصدر، فينطلق من ان انعقاد جلسة الانتخاب يحتاج الى ثلثي اعضاء المجلس زائد واحد، وبالتالي فان هناك ضروة للحوار من اجل تحقيق هذا النصاب. ويفسر البعض ان فكرة باسيل ترتكز على تأمين النصاب المذكور وهو الحد الادنى لانعقاد الحوار، في حال لم يتحقق الاجماع عليه.
وتقول مصادر مطلعة ان باسيل نجح في ترتيب جدول شامل لتحركه ولقاءاته مع الكتل والتجمعات النيابية، بما فيها المعارضة من دون الحاجة الى معبر معراب. وفي ضوء ذلك، لجأ جعجع الى خطوة او حركة التفافية سريعة، من خلال تكليف النائب غسان حاصباني المشاركة في لقاء نواب المعارضة مع باسيل في مقر حزب “الكتائب” في الصيفي، وانه اراد من هذه الحركة ضبط ايقاع موقف نواب المعارضة بوتيرة عالية ومتشددة، ظهرت في بيانهم ورفضهم لجلسة الحوار والتشاور، واستبدالها بمشاورات جانبية بين الكتل.
وجاء هذا البيان، المليء بالشروط والتشدد شكلا ومضمونا، مختلفا عن المواقف المعلنة سابقا لبعض مكونات المعارضة. وبذلك اراد جعجع توجيه رسالة مفادها ان فكرة تطويق او عزل “القوات” غير ممكنة. لكن نجاح باسيل في انعقاد اللقاء في الصيفي وفي شمول برنامجه كل الكتل الاخرى، اكد من جهته ايضا استحالة عزل التيار.
ويقول مصدر نيابي في التيار اننا لا نريد عزل احد ولا نرفع مثل هذا الشعار، وان المسعى الذي نقوم به يؤكد اننا نريد التوافق ونريد رئيسا وفاقيا. ويضيف: ان تقاطعنا في جلسة الانتخاب الاخيرة مع المعارضة و”اللقاء الديموقراطي” على جهاد ازعور يؤكد هذا النهج. لكن الواقع والتوازن الحالي يفرضان على الجميع اليوم الحوار من اجل انتخاب رئيس وفاقي.
وفي المقابل، يرى مصدر نيابي في “القوات” ان باسيل يفتش عن موقع ودور، وانه يحاول ان يظهر بمظهر من يريد الوفاق، لكنه يسعى في المضمون الى لعب دور المساهم في صنع الرئيس لا اكثر ولا اقل.