IMLebanon

نطاقات الإنترنت المحلية: صراع بين الحكومة و«الحوكمة»؟

 

الصراع في شأن الجهة التي تتولى إدارة أسماء النطاقات اللبنانية (lb.)، ممتد منذ سنوات. وجهة النظر الأولى تؤكد أن «المركز اللبناني للإنترنت» (لينك) هو الأفضل لتولي هذه المهمة لاعتبارات داخلية وخارجية، فيما وجهة النظر الثانية تتعامل مع القطاع بصفته سيادياً ووحدها الدولة هي من يقرر وجهته. وجهة النظر الثانية تبدو مدعومة من «هيئة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصصة» (ICANN) خلافاً لكل ما يُروج.

ليست المادة 79 من قانون المعاملات الإلكترونية مادة عادية، ولهذا فإن اللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان النيابية المشتركة التي درست القانون لمدة ثلاث سنوات فضّلت عدم حسم مآلها. لكنها صاغت فقرة تصلح لأن تشكل الإطار القانوني الذي ينظم عمل إدارة نطاقات الإنترنت المحلية («lb.» و«.لبنان»): «يمكن لوزارة الاتصالات أن تتولى مباشرة عبر إدارتها منح وإدارة أسماء النطاق، كما لها أن تولي الهيئة المنظمة للاتصالات هذه الصلاحية، ولها أيضاً أن تعيّن جمعية أو مؤسسة خاصة أو شركة للقيام بمنح وإدارة أسماء المواقع وفق ما تقدم…». هذا النص الذي حرص رئيس اللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان المشتركة النائب السابق سامر سعادة على تسجيله، أراده عاماً، لكنه ثبّت به أمراً ظل إشكالياً طيلة فترة النقاش: الدولة اللبنانية، ممثلة بوزارة الاتصالات، هي صاحبة الحق الأول بإدارة أسماء النطاق، وهي تملك القرار بأن تجيّر هذا الحق إلى من تشاء، وفق شروط تحددها ولفترة زمنية محدودة. وهي أيضاً قد تقرر إدارة القطاع بنفسها أو من خلال الهيئة المنظمة للاتصالات، أو حتى من خلال «المركز اللبناني للإنترنت» (لينك) أو أي جمعية يمكن أن تؤلف للغاية نفسها.

ذلك القرار وجد من يعارضه، ليس لشيء سوى سعي وراء حصر الخيارات بجمعية «لينك»، التي يعتقد نواب واختصاصيون وأصحاب نفوذ أنها الأصلح لإدارة القطاع، كونها تشكل «نموذجاً متطوراً من حوكمة الإنترنت»، وتضم في مجلس إداراتها من يمثل القطاعين العام والخاص على حد سواء. هؤلاء أنفسهم سعوا جاهدين، ومنذ تأسيس الجمعية، إلى تحويلها إلى أمر واقع، بغض النظر عن إقرارها في القانون من عدمه. لكن هذا الهدف وقف دونه أمر وحيد هو عدم حصولها على العلم والخبر من وزارة الداخلية، على رغم مرور 4 سنوات على تسجيلها.

وفيما يوضح المدير الحالي لأسماء النطاق نبيل بو خالد أن مؤسسي الجمعية، كانوا قد تبلغوا من وزارة الداخلية أن عدم حصولها على شهادة جمعية يعود إلى وزارة الاتصالات التي طلبت الداخلية ملاحظاتها، فقد علمت «الأخبار» أن من كان خلف هذا الرفض هو المدير العام السابق للاستثمار والصيانة في وزارة الاتصالات عبد المنعم يوسف. إذ رداً على كتاب من المديرة العامة للشؤون السياسية واللاجئين في وزارة الداخلية فاتن يونس، في تاريخ 6 حزيران 2015، أشار يوسف، في كتاب مؤرخ في 3 تموز 2015، إلى أن «النطاقات الخاصة بلبنان هي من الموارد الطبيعية النادرة، مثلها مثل الترددات والأرقام الهاتفية وأرقام لوحات السيارات، ومثل أرقام تسجيل بطاقات الهوية وجوازات السفر وغيرها من الموارد الطبيعية كالمياه الجوفية والنفط، وبالتالي فهي من الأملاك العامة التي تقع إدارتها ضمن نطاق مسؤوليات الدولة وحصريتها، ولا يجوز لأي جهة كانت تحديد الرسوم العائدة لها أو جبايتها، إلا بموجب نص قانوني واضح صادر بموجب قانون عن المجلس النيابي». كما أوضح يوسف حينها أن هذا الموضوع ملحوظ في مشروع القانون المحال إلى مجلس النواب ويتعلق بالمعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي، الذي لم يصدر بعد، وبالتالي فإنه من غير المقبول التذرع بحجة تطبيق القانون قبل صدوره. وعليه، خلص يوسف إلى ضرورة عدم الموافقة على طلب تأسيس الجمعية، فجُمّد طلبها في وزارة الداخلية، ولم تتمكن من القيام بعملها، وفقاً لما كان مخططاً.

ذلك جعل «أصحاب المصلحة» من اختصاصيين واقتصاديين وسياسيين، يحولون جهودهم باتجاه إدخال الجمعية في صلب القانون، وعدم ترك أي هامش للمفاجآت، التي قد تلغي أي دور للجمعية.

وعليه، لم يكن أمامها سوى الانتقال إلى السياق النيابي، حيث كانت دراسة مشروع قانون المعاملات الإلكترونية، قد انطلقت في مجلس النواب، والذي للمناسبة كان اقتراحاً من وزير الاتصالات السابق بطرس حرب.

في المجلس النيابي، بدا الصراع كبيراً في شأن الفصل الرابع من القانون والمتعلق بأسماء النطاقات، خصوصاً المادة 79. كان هنالك إصرار على أن يعتمد القانون «لينك»، بالاسم، كمدير لأسماء النطاقات الوطنية. لكن في المقابل، فقد توقف كثر عند طبيعة الجمعية وكيفية اختيار أعضائها. ولذلك، كان السؤال يتكرر، حتى من الذين لا يمانعون أن تتولى جمعية مشتركة بين القطاعين العام والخاص مسؤولية القطاع، لماذا على المجلس النيابي أن يتبنى جمعية هيكليتها مقررة سلفاً، ولماذا لا تنشئ الدولة جمعية شبيهة تختار هي أعضاءها، إذا كان هذا النموذج هو الأمثل؟ أما من كان أكثر تشدداً، فقد دعا إلى أن تتولى هيئة حكومية المهمة، طالما يوجد فصل بين إدارة نظام أسماء النطاقات وإدارة سجل المسجلين، إذ يمكن للإدارة الرسمية المركزية التي تقوم بمهام إدارة نظام أسماء النطاقات تكليف مسجلين معتمدين في المناطق، يقومون بتسجيل أسماء النطاقات ويعرفون باسم المسجلين ويتنافسون في ما بينهم لنشر وبيع أسماء النطاقات.

 

ICANN لا تتعامل إلا مع الحكومات… خلافاً لما يُروج

 

الإجابة الأكثر شيوعاً عند الداعين إلى السير بجمعية «لينك» كما هي، كانت تركز على حصولها على الاعتماد من هيئة الأرقام والأسماء المخصصة» (ICANN)، التي تملك الحق وحدها في اعتماد الجهة المسؤولة عن النطاقات المحلية، من دون أن يكون للسلطات الوطنية أي دور في ذلك. أكثر من ذلك، قيل في اللجان المشتركة أن ICANN لا توافق على أن تكون إدارة أسماء النطاقات تابعة لجهة رسمية فقط أو خاصة فقط إنما ينبغي أن يتمثل فيها الطرفان. وصل البعض إلى حد الإيحاء أن أي تغيير في طبيعة الجمعية سيؤدي إلى مشكلة مع المنظمة الدولية، لكن أحد النواب خرج لينفي صحة ما قيل في اللجان النيابية المشتركة.

المفارقة أن بحثاً بسيطاً على موقع ICANN يكشف أن كل ما تم تسويقه ليس دقيقاً. فالمنظمة الدولية تضم في مجلس إدارتها ممثلين عن حكومات. والأهم أن لهذه الحكومات لجنة تمثيل عمدت في 23 شباط 2000 إلى وضع مبادئ عامة لتمثيل الإدارات الحكومية في إدارة النطاقات العلوية الخاصة بكل بلد، إن كان عبر منظمة أو مؤسسة أو هيئة حكومية. وبغض النظر عن الجهة التي تختارها الحكومات لإدارة النطاقات، فإن هذه الجهة لا تُعتمد إلا بعد مراسلة من الجهة الحكومية المعنية مع المنظمة العالمية. وهو ما يعني عملياً أن ICANN لا تتعاقد إلا مع جهات حكومية، بعكس ما يروج. وأكثر من ذلك، فإن الاتفاق كذلك يحدد مبادئ التعاون بين الحكومات والجهة المعيّنة، التي تكون ملزمة بتنفيذ سياسة الجهة الحكومية المسؤولة أمام المنظمة عن أعمال الهيئة التي عينتها.