تُتمّم صحيفة «صباح» التركية العقد ولا تفرطه: تُقدّم شهادة أخرى موثّقة عن العلاقة العضوية القائمة بين محور الممانعة عموماً وسلطة بشار الأسد خصوصاً من جهة و»داعش» من جهة ثانية. وتكمل تعبئة بعض الفراغ الذي تركته الوثائق التي عُثر عليها في معية أحد مؤسسي ذلك التنظيم بعد مقتله في احدى قرى ريف إدلب قبل شهور عدة والتي تولّت صحيفة ألمانية نشرها والإضاءة من خلالها على أبوة بقايا «البعث» العراقي وأجهزة الأسد لـ»داعش» من أوله الى آخره!
ومفهوم سلفاً أن ماكينة الممانعة الايرانية الأسدية لا تقبض هذا الكلام.. مثلما لم تقبض سابقاً وراهناً (ولاحقاً!) أي أدلة وشهادات ومعطيات موثقة تدلّ (مثلاً) على وقوف ذلك المحور خلف الجريمة التي أودت بالرئيس رفيق الحريري، وبكل إرهاب آخر أصاب خصوماً ومناوئين، وأُريدَ من خلاله ترسيخ معطى العنف كعلاج وحيد (وأخير!) لكل معضلة أو تحدٍّ أو سعي تحرري.. أو ثورة وطنية عامة تتطلع الى الانعتاق من منظومة السلطات الموازية والمساوية للمافيات في أحطّ مراتبها.
غير ان قصة «داعش» مقروءة قبل أن تنشر.. وكثيرون «لاحظوا» منذ البدايات ذلك التقاطع الواضح بين وظائفه وعملياته وارتكاباته، وسياسة المحور الممانع في العراق وسوريا تحديداً.. ولم تبخل الوقائع الميدانية من الموصل الى الرقّة الى تدْمُر في تقديم التفاصيل الكثيرة والخطيرة التي تؤكد ان ذلك الارهاب هو الوليد الشرعي الوحيد لذلك المحور، وانه في جملته يمثل المحاولة الأخطر والأشرس والأكثر ظلامية وجرأة ووحشية «للرد» على الطوفان التغييري الهادف الى إنهاء حقبة الحكم الأسدي في سوريا والتصدي لإتمام ايران سيطرتها على «القطر» العراقي الشقيق!
وأخطر ما في الحقائق الجديدة التي عرضتها «صباح» التركية هي تلك المتصلة بالتزام السلطة الأسدية تسليم «داعش» منطقتي السويداء في الجنوب والسلمية في الشمال، حيث الاكثرية في الاولى من الموحدين الدروز وفي الثانية من الاسماعيليين، ولكن بعد ان ينفّذ من جهته ما هو مطلوب منه، اي اكمال التصدي لـ»الجيش الحر» وقتل زهران علوش قائد «جيش الاسلام» الناشط في الغوطة الدمشقية وغير ذلك من «تفاصيل» وردت في اتفاق النقاط الاربع بين الجانبين!
ولا شيء، في واقع الحال، يفاجئ في أداء العصبة الأسدية. فهي قبل الوصول الى التضحية بالأقليات التي تدّعي الدفاع عنها في وجه «الارهاب التكفيري»، قدّمت ما يكفي من عيّنات عن طبيعتها الأولى التي لا تقيم وزناً لأي بشر أو حجر او عمران أو أنسنة، وأكدت بالكيماوي والبراميل المتفجرة والقتل والتدمير والتهجير استعدادها لوضع سياسة الارض المحروقة موضع التنفيذ وبحذافيرها.. غير ان ما يفاجئ هو (الافتراض) بأن المعطيات التي عرضتها الصحيفة التركية موجودة حُكماً عند الاميركيين (اساساً)، ومع ذلك فان إشارة صلبة واحدة لم تخرج من إدارة مستر اوباما إزاء ذلك التماهي بين السلطة الأسدية و»داعش»، مع ان تلك الادارة تقود ما يُعرف بالحرب العالمية ضد الارهاب!
بعضٌ من تلك الحقائق يمكن عرضه كأسئلة (بريئة!) على المستوى المحلي: على «حزب الله» وادعاءاته بمقاتلة «التكفيريين»، وعلى بعض حلفائه الذين استمرأوا لعبة التخويف والتهويل وصدّقوها.. لكن من دون توقّع أي جواب منهم على ذلك، لأن الواضح هو انهم يعرفون كل شيء.. قبل «صباح» التركية، وأكثر بكثير مما نشرته!