هل يُعتبر مؤتمر المانحين في لندن فرصة للبنان للحصول على مساعدات مالية واقتصادية تُعينه على مواجهة تداعيات الأزمة السورية، بكل تشعباتها، ام ان كل قرش سوف يتمّ ضخه في الاقتصاد المُرهق سيكون بمثابة خطوة اضافية نحو تعقيد أزمة النزوح، وتحويلها من مجرد لجوء الى أمر واقع يقضي على مستقبل البلد؟
تستضيف العاصمة البريطانية بعد غد الاربعاء ممثلي حوالى ثلاثين بلداً على مستوى رؤساء الحكومات، ترافقهم وفود تضم عددا كبيرا من الوزراء والخبراء.
الهدف الرئيسي المُعلن للمؤتمر تقديم مساعدات الى البلدان المضيفة للنازحين السوريين لمساعدتها على الصمود بسبب التداعيات السلبية التي تسبّبت بها أعداد النازحين. أما الهدف الرئيسي غير المُعلن، فهو ضمان بقاء النازحين حيث هم، وقطع الطريق على انتقالهم الى الغرب.
اللافت في هذا الملف ان الدول المستهدفة في المساعدات، والتي تعاني فعلياً من تداعيات تستحق الدعم، هما دولتان:لبنان والاردن. ويتوزع في الدولتين حوالي 3 ملايين نازح، بما يشكل اكثر من ثلث عدد السكان.
الجديد في مؤتمر لندن، وما يمكن أن يميزه عن المؤتمرات السابقة للمانحين، ان استراتيجية المساعدة تغيرت. في المؤتمرات السابقة كانت استراتيجية الدعم تنصّ على تقديم مساعدات انسانية الى النازحين حيثما وجدوا، بالاضافة الى بعض المساعدات المباشرة الى المجتمعات المضيفة لكي تتمكن من ايواء النازحين. الاستراتيجية الجديدة التي سيتمّ اختبارها في مؤتمر لندن تنصّ على دعم طويل الامد.
وبالاضافة الى المساعدات الانسانية الى النازحين، هناك خطط ليس لتقديم مساعدات الى المجتمعات المضيفة فحسب، بل لدعم اقتصادات هذه الدول على المدى الطويل، بحيث تكون قادرة على النمو ليصبح في مقدورها استيعاب اعداد اضافية من القوى العاملة، ينبغي ان تشمل حتما النازحين أنفسهم.
الاشكالية المطروحة في المؤتمر هي التالية: هل من مصلحة لبنان مجاراة الاستراتيجية الجديدة، والقبول بمبدأ دعم الاقتصاد ليصبح قادرا على استيعاب النازحين وتأمين فرص العمل لعدد كبير منهم؟ وهل يعني ذلك ان هذا الاجراء قد يدفع الى اطالة أمد اقامة هؤلاء في لبنان، ويقطع الطريق على عودتهم المحتملة الى بلدهم؟ وبالتالي، تتحول خطة انقاذ الاقتصاد الى وسيلة للقضاء على مستقبل البلد؟
من الواضح، ان خيارات لبنان الرسمي محدودة، للاعتبارات التالية:
اولا – ان رفض استراتيجية دعم الاقتصاد اللبناني تفوّت على البلد فرصة يحتاجها في هذه الحقبة، حيث بلغت مؤشرات الاقتصاد مستويات متدنية تدفع الى القلق.
ثانيا – ان الآتي أعظم، وما واجهه الاقتصاد حتى اليوم قد يكون بسيطاً قياسا بما قد يعانيه من ايام أصعب في المرحلة المقبلة، بعد أن يتضح حجم الأضرار التي سيتسبب بها تراجع اسعار النفط، والركود الذي قد يصيب اقتصادات دول الخليج العربي.
ثالثا – ان رفض استراتيجية دعم الاقتصاد لن تنعكس في الوقت الراهن ايجابيا على عودة النازحين. بمعنى، أن لا استراتيجية دعم الاقتصاد هي من يُبقي النازح السوري في لبنان، ولا رفض هذه الاستراتيجية سوف تؤدي الى عودة هذا النازح غدا الى بلده.
رابعا – ان ابقاء الاقتصاد الوطني عاجزا عن النمو، وتأمين فرص عمل للنازحين، ينطوي على مخاطر أمنية كبيرة، اذ انه يحوّل النازح من لاجئ يبحث عن لقمة العيش والامن، الى مشروع مجرم يجنح نحو السرقة والاجرام، او نحو التطرف والارهاب.
في هذا السياق، يستطيع لبنان أن يسترجع تجربته مع الوجود الفلسطيني لكي يستخلص العبر. ورغم ان السلطات اللبنانية تتبع نهج عدم اعطاء الفلسطينيين تسهيلات قد تدفع بهم الى البقاء في لبنان، الا أن ذلك لم يغيّر في الواقع الكثير، والفلسطيني لا يزال موجودا منذ 65 عاما في لبنان، وهذه الاقامة مفتوحة زمنيا، ومن غير المعروف كم ستمتد في الزمان في المستقبل.
هل يعني ذلك، ان المطلوب التجاوب مع الاستراتيجية الدولية الجديدة، والتي رُسمت لحماية حدود البلدان الغربية من خطر النزوح؟
لا يستطيع لبنان بمعطياته السياسية القائمة الوقوف في وجه هذه الاستراتيجية، وليس من مصلحته ان يفعل ذلك. ما هو ممكن اليوم، يتلخص بالافادة من الجهوزية الدولية لتقديم مساعدات من اجل دعم الاقتصاد الوطني، في موازاة ممارسة سياسة رقابة صارمة على توظيف الدعم في خلق فرص عمل للنازحين وللبنانيين على السواء.
وهنا، تبدو السياسة التي يتبعها وزير العمل سجعان قزي في وزارته مميزة، وتستحق الاستنساخ والتأييد لأنها تستند الى فكرة عدم حرمان النازح من العمل، لكن سقف هذه الفرصة، يقف عند ضمان عدم زيادة البطالة بين العمال اللبنانيين. وضمن هذه المعادلة، ينبغي العمل على التعاطي مع المانحين في لندن.
واذا كان السؤال: هل المطلوب من لبنان أن يوقّع على صك توطين السوريين لديه مقابل دعم اقتصاده، فان الجواب، ان لبنان يستطيع ان يستفيد من الدعم، لأن خطر النازحين سيبقى قائما سواء قبلنا المساعدات ام رفضناها.
ومن الافضل قبولها بل السعي الى تكبيرها قدر المستطاع، كما يفعل عاهل الاردن الذي قرر أن يشارك شخصيا في مؤتمر لندن، لزيادة الضغوطات المعنوية على البلدان المانحة لدفعها الى تكبير حصة بلاده من المساعدات، أما التوطين فحسابات التصدي له ومنعه تكمن في مكان آخر، من ضمنها دعم نظامنا السياسي وتحصينه، ليكون قادرا على التعاطي مع هذا الملف الحساس بفعالية وجدية.