جاء انجاز عملية تبادل العسكريين المحتجزين لدى جماعة النصرة وكأنه ارضى طرفا واغضب طرفا اخر، لان الموضوع اقتصر على من كان في قبضة النصرة، فيما لم يأت احد على ذكر من هم في قبضة تنظيم داعش، مع العلم صراحة انه كان دور للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مع الجانب القطري بعدما تبين ان النصرة زادت في حجم مطالبها الى حد مقاربة التفجير، اضف الى ذلك ان من وقف في طريق منع تخلية العسكريين المحتجزين لدى داعش، كان طرفا ثانيا ليس دولة قطر والا لما كانت العقدة ظلت بلا حل؟!
ما يقال عن هذا الموضوع اكثر من ان يحتمل، حيث لكل وجهة نظر ومعلومات قريبة من الحقيقة بقدر ما هي بعيدة من الواقع، والا لما انتهت بالشكل الذي وصلت اليه، بحسب دلالات الاستقبال الرسمي والشعبي للمخلى سبيلهم في السراي الحكومي وما حفلت به المناسبة من كلام وتعابير شكر لدولة قطر المتهمة بأنها وراء دعم ومساندة النصرة التي تنازلت عن تحدياتها للدولة اللبنانية وقبلت اخيرا بما عرض عليها مقابل اتمام الصفقة التي فشلت في جانبها المرتبط بالعلاقة مع داعش الذي ظل كتنظيم متمسكا بمطالبه مقابل تخلية العسكريين المحتجزين لديه!
الامور ذات العلاقة بتخلية العسكريين ليست جديدة بين لبنان وتنظيم سياسي ليست الاولى حيث سبقتها عمليات مماثلة بين خاطفين ودول كبرى مثل اميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا، مقابل تبادل اطلاق رهائنها وصلت في بعض المراحل الى دفع ملايين الدولارات بما في ذلك تخلية محكومين وسجناء كانوا في سجون تلك الدول التي اضطرت الى ان تفرج عمن كان في قبضتها لقاء انجاز الصفقة، والسؤال المطروح في هذا المجال لماذا ارجأ نصر الله مساعيه مع قطر وغير قطر لتخلية العسكريين، وكيف يجوز له ان يكون على صلة بدولة عدوة فيما غير مسموح لغيره الاتصال بالدولة المشار اليها (…)
ان الصفقة في النتيجة ما كانت لتتم لولا تدخل طرف ثالث هو المدير العام للامن العام الذي كان يتحرك بمعرفة الحكومة اللبنانية منذ وقت طويل، ولولا مساعيه لما كانت الصفقة قد انجزت من خلال اية جهة اخرى ان كانت تركيا او قطر لا فرق، طالما ان الاطراف الاخرى ما زالت متشددة في وسائل اتصالها بالنصرة او بداعش كما دل على ذلك فشل تخلية البقية الباقية من العسكريين!
من حيث المبدأ فان موضوع العسكريين لم ينته وليس من يتصور ان الدولة اللبنانية ستتخلى عن هؤلاء حتى ولو اقتضى الامر تخلية مئات المعتقلين الاسلاميين مقابل المحتجزين، وهذا التصور متفق عليه من لحظة تكليف اللواء ابراهيم بالمهمة وليس من يحتاج الى تذكير من احد بأن الموضوع ليس مرتبطا بقرار قضائي من شأنه تجاوز بعض الشكليات القانونية لكن هناك من يذكر بضرورة استكمال العملية مهما كلفت من أثمان بمعزل عن كل ما تردد عن اخطاء في مجال الاتصال بالاعداء الذين يحتجزون العسكريين الباقين في الاسر!
ومن حيث المبدأ ايضا، فان ثمة خشية من ان يركب بعضهم رأسه لتعقيد الصفقة، لمجرد القول انه قادر على تخطي ما يتعارض مع الاصول السياسية التي تكفل الاتصال بداعش لاتمام الصفقة، مع العلم ان القرار في يد الحكومة وليس في يد اي طرف ثالث، كما دلت التطورات على ان مجال التعاطي مع داعش مفتوح وليس ما يمنع توقفه عند نقطة معينة باستثناء تخلية المحتجزين العسكريين!
ان المكابرة في هذا المجال تبدو عقيمة وبلا فائدة الا اذا كان المقصود تحويل المناسبة الى مجزرة غير مستبعدة، قد تقضي على حياة هؤلاء العسكريين من دون طائل لكن من الضروري التركيز على ان دولا كبرى لم تتأخر عن مقايضة رهائنها مقابل تخلية سجناء ومحكومين من اسوأ انواع المجرمين بحسب ادلة وقرائن مشهودة ومعترف بها دوليا كي لا تتطور الامور الى ما يشبه تنفيذ حكم الاعدام بالمحتجزين لاسيما ان المشهور عن داعش انه تنظيم لا يفاوض ولا يقايض بدليل ما حصل مع احد الطيارين الاردنيين حيث رفض مئة مليون دولار مقابل الافراج عنه وانتهت القصة بحرق الطيار المشار اليه حيا!
من جهة الواقعيين فان مطلق لبناني يرفض وصول قضية المحتجزين الى حد قتل احدهم، فضلا عن ان تخلية من يطالب داعش بهم ليست مقايضة غير مسبوقة، كما سبق القول خصوصا ان ما سبق حصوله مع العسكريين الذين اخلاهم تنظيم النصرة جاء لقاء ثمن ما كان ليدفع لولا حجم وثمن ارواح هؤلاء؟!