IMLebanon

المنطق التبريري لـ«حزب الله»

كلّ منطق «حزب الله» قائم على التبرير من المواجهة مع إسرائيل إلى المواجهة مع التكفيريين تحت عنوان الحرص على سيادة لبنان وأمن اللبنانيين وكرامتهم، وهذا التبرير، وخلافاً لما يعتقد الحزب، يدلّ على موقف ضعف لا قوّة.

القاصي والداني يعلمان أنّ «حزب الله» يواجه إسرائيل التزاماً بعقيدته وايديولوجيته لا التزاماً بالدستور اللبناني واتفاق الطائف، ويقاتل في سوريا التزاماً بأولوية المحور الذي ينتمي إليه وليس التزاماً بأولوية المصلحة اللبنانية والوطنية.

وهذه حقيقة ثابتة وغير قابلة للنقاش وأوّل مَن يدركها في قرارة نفسه هو الحزب نفسه، ولكنه فضل ويفضل إخفاء هذه الحقيقة في مؤشر ضعف وعدم وضوح وإرباك، وفي دليل الى اعتماده خطابين ولغتين وموقفين، واحد ضمني وآخر علني، وذلك على طريقة كلام للخورية وآخر للرعية.

وقد لجأ الحزب إلى تبريرات لا تقنع أحداً من قبيل أنّ همه الأول والأخير الدفاع عن لبنان، وأنّ تمسكه بالسلاح سببه ضعف الدولة وعجزها عن التصدي للاعتداءات الإسرائيلية، وأنه لو عادت إليه لكان فضّل دولة قادرة على تحمّل مسؤولياتها وعدم تحميله هذا الوزر الكبير، وأنه على رغم إدراكه أنّ سلاحه لا يحظى بالإجماع اللبناني، لكنه لن يتخلّى عن مهمته في حماية لبنان واللبنانيين.

وفيما كان النقاش بين عامَي ٢٠٠٥ و٢٠١٢ يتمحور حول سلاح «حزب الله» بين وجهة النظر التي تدعو إلى تسليمه للدولة، لأنه لا تستقيم الأمور في ظلّ وجود سلاحين، وبين وجهة نظر الحزب التي ربطت السلاح بالجيش والشعب ودعت إلى وضع استراتيجية دفاعية تحفظ قوة لبنان ومنعته، وبالتالي في هذا الوقت بالذات خرج الحزب من لبنان للقتال في سوريا.

ومع دخوله إلى سوريا لجأ مجدّداً إلى تبريرات من الطبيعة نفسها مع بعض الإرباك في المرحلة الأولى أعاد إلى الأذهان الإرباك الذي عرفه الحزب بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في ٢٥ أيار ٢٠٠٠، حيث تعددت الروايات من حماية المقدسات الشيعية إلى القرى الشيعية ومن ثم القرى اللبنانية وأخيراً أنه لولا وجود «حزب الله» في سوريا وعلى الحدود لكانت حواجز «داعش» انتقلت إلى جونيه وبيروت والجبل…

ولكنّ القاصي والداني يعلمان أيضاً أنه لولا وجود قرار إيراني بدخول الحزب إلى سوريا لما دخل، وهذا الدخول لا علاقة له بالقرى السورية التي تحتضن شيعة وغير شيعة، كما لا علاقة له بحماية لبنان من «داعش» و»النصرة»، إنما كلّ الهدف منه الدفاع عن النظام السوري ومؤازرته في حرب البقاء التي يخوضها من أجل الاستمرار متربعاً على السلطة.

وقد أكدت الحرب السورية أنّ «حزب الله» يختلف عن الميليشيات اللبنانية التي نشأت إبان الحرب الأهلية تحديداً لجهة أنه قوة جاهزة للتدخل في أيّ بقعة من العالم التزاماً بالأجندة الإيرانية، الأمر الذي يجعل الحزب قوة إقليمية أكثر منه محلية، ما يعني أنّ اهتماماته وأولوياته من طبيعة مختلفة عن القوى اللبنانية الأخرى، على رغم مشاركته في كلّ أوجه الحياة السياسية من أجل تغطية وحماية توجهه الاستراتيجي.

فالمشكلة الأساسية مع «حزب الله» هي في هذا المنطق التبريري الذي يحاول فيه إخفاء أهدافه الحقيقية، علماً أنها واضحة ومكشوفة. فسلاح «حزب الله» في لبنان يشكل جزءاً لا يتجزأ من النفوذ الإيراني، وبالتالي لا يخضع لمعايير داخلية من قبيل مقايضة هذا السلاح بمزيد من النفوذ وتحسين شروط مشاركته السياسية في السلطة، إنما يخضع لمعايير خارجية تتصل بالدور والنفوذ الإيرانيين، الأمر الذي يجعل بتّ مصير سلاح الحزب مرتبطاً بالاتفاق الغربي-العربي-الإيراني على مواقع نفوذ طهران في المنطقة.

وغالباً ما تقع بعض القوى السيادية في خطأ تقييم أهداف «حزب الله» الحقيقية فتتهمه بالسعي إلى تعزيز حضوره داخل السلطة وغيرها، فيما أولويته الاحتفاظ بسلاحه، وكل ما عدا ذلك، بالنسبة إليه، تفاصيل.

وأما قتاله في سوريا فلا يخرج عن سياق أنّ قوى الممانعة لا تعترف ضمناً بسايكس-بيكو، أيْ أنها تعتبر الحدود بين لبنان وسوريا والعراق وإيران مصطنعة، وبالتالي لا ترى اختلافاً بين قتالها في لبنان أو سوريا أو العراق، ولا تضع أساساً هذا القتال تحت عنوان الواجب الذي يدفعها إلى مساندة بعضها بعضاً، إنما تعتبر قتالها جنباً إلى جنب مسألة بديهية وطبيعية، لأنّ مصير مكوّنات هذا المحور واحد، حيث إنّ ضعف أيّ مكوّن ينعكس على المكوّنات الأخرى وعلى المحور بمجمله، فيما الأساس هو استمرار هذا المحور وتدعيمه وتعزيز نفوذه وتقويته.

ومن هنا كان الأولى بالحزب أن يتكلم لغة واحدة بدلاً من لغتين، وخطاباً واحداً بدلاً من خطابين، وذلك حرصاً على صورته وصدقيّته، وأن يقول صراحة لا مواربة إنه يقاتل دفاعاً عن محور الممانعة وليس عن لبنان، وإنّ مصيره مرتبط بمصير هذا المحور وليس بمصير اللبنانيين، وإنّ سلاحه ودوره الإقليمي يتقرّران على طاولة المفاوضات الغربية مع إيران وليس على طاولة الحوار اللبنانية، وإنه مقتنع تماماً بأنّ لبنان خارج محور الممانعة لا قيمة له ولا معنى… فلو اعتمد هذا الوضوح لكانت اختلفت طبيعة المواجهة والمساكنة معه…