الجملة الوحيدة المباشرة التي قالها الرئيس الأميركي باراك أوباما تعليقاً على الخطوات التسليحية الروسية لبقايا سلطة بشار الأسد، كانت أن تلك الخطوات «آيلة الى الفشل».
لكن موسكو في مكان آخر.. وكل كلامها، وآخره على لسان فلاديمير بوتين أمس تحديداً، يدل على أنها فتحت باباً للشر ولن تقفله بالهيّن. وهي في ذلك، تقول للرئيس الأميركي، ان سياستها المستجدة التي يتوقع فشلها، ليست في الواقع إلا ترجمة لفشله هو في سوريا! وفشل سياسة الانكفاء التي يعتمدها.. ومقارباته غير المتماشية مع الدور الأميركي، وثقله وتأثيراته وضروراته في معظم المناطق الحارة في العالم، وخصوصاً في العراق وسوريا.
ويمكن لموسكو أن تقول ما تشاء ثم أن تفعل ما تشاء، استناداً الى سياسات أوباما نفسه! قبل أن تستند الى استراتيجية القيصر بوتين الباحث بدأب عن اعادة بناء الحيثية التاريخية التي كانت لبلاده في العالم.. وهي (أي موسكو) في ذلك تصدق القول، ولا تبلف! ولا تبني على وهم انما على حقائق المشهد كما هو عليه من دون أي اضافات.
كثيرون جادلوا منذ انطلاق العهد الأوبامي، بأن خطورة استراتيجية الانسحاب من حروب جورج بوش تكمن في انها تستجيب لمتطلبات معالجة الأزمات المالية والاقتصادية الأميركية التي كانت تلك الحروب جزءاً من أسبابها، لكنها في المقابل تفتح الباب أمام انفلات صراعات كثيرة واعادة إحياء مفاهيم الحرب الباردة وآلياتها ومتطلباتها بما يوصل في نهاية المطاف، الى أزمات لا تقل خطورة عن تلك التي أوجدتها سياسة بوش الابن! عدا عن انها يمكن أن توصل الى تورّط غير مطلوب، في نزاعات مباشرة أخطر من تلك التي انخرط فيها السلف الجمهوري.. وهذا (تقريباً) ما يمكن أن يحصل في سوريا! وربما في غيرها.
والحاصل، هو أن أوباما وحده الذي لم يقتنع بعد على ما يبدو، بأن سياسته السورية لا تليق حتى بمبتدئين ومراهقين وهواة. وانها في المحصّلة أنتجت حتى اليوم عكس ما أراده علناً. إن لجهة البحث عن «حل سياسي» وفق «جنيف واحد» أو لجهة محاربة الارهاب، أو لجهة مسايرة إيران في الهامش للحصول منها على ما يريده في المتن، أي تشليحها إمكانية عسكرة مشروعها النووي.
«الاتفاق» على «جنيف واحد» ما كان ولا مرة حاسماً. وفي اللحظة المناسبة إرتأت موسكو شيئاً آخر يقوم على تلزيم بشار الأسد قضية «محاربة الارهاب»! وفي أمر الارهاب هذا، لم توصل الحرب عليه، بعد أكثر من عام، على إطلاقها وبمشاركة (نظرية!) من ستين دولة صغيرة ومتوسطة وكبيرة الحجم والامكانات والقرارات، الى أي نتيجة حاسمة، خارج نطاق وقف التمدد الداعشي بالطريقة التي كان عليها في حزيران العام 2014!.
أما «مسايرة» إيران فأنتجت المزيد من الأضرار «الهامشية» والى حد ان العراقيين أنفسهم لم يتحملوها! فيما حصد اليمنيون الكارثة مع الانقلاب الحوثي، وانتقل السوريون من نكبة الى نكبة حتى وصلوا الى قلب أوروبا نفسها!
تراهن موسكو على نجاحها بالاستثمار في فشل مستر أوباما. وهذا عين العقل وزبدة المنطق السليم! لكن يفوتها، مثلما يفوت إيران ودميتها في دمشق، مثلما يفوت الرئيس الأميركي أيضاً، أن أربع سنوات وسبعة شهور من الاستهداف الأسطوري للثورة السورية (المصطلح في مكانه تماماً!) ومع ذلك، تقدمت وتراجع أخصامها! ولا تزال تتقدم ولا يزال أخصامها وأعداؤها وسفّاحوها يتراجعون!
ولذلك أسباب كثيرة، لكن أولها بالتأكيد، هو انها لم تكن وليدة «قرار» من مستر أوباما!