اثبتت مجموعات الحراك الشعبي انها لن ترضخ لقوى النظام. فعلت ما كان منتظرا منها، لمّت شملها، رفعت سقف خطابها ومطالبها، واعلنت ان «القوة والسلطة للشعب»، وان الشارع هو الحكم الآن في مواجهة نظام الزعماء والقمع الامني والهيئات الاقتصادية
ما اقترفته السلطة أول من أمس من قمع ممنهج بغية ضرب الحراك إرتدّ سلباً عليها. عنف الدولة وميليشياتها تُرجم اندفاعاً جدياً الى الأمام من قبل مكونات الحراك، التي اتحدت مجدداً للمواجهة، معلنةً أن الحكم اليوم للشارع فقط.
للمرة الأولى منذ انطلاق الحراك في تموز الماضي، ترفع المجموعات سقفها وتخاطب قوى النظام كلّها: الزعماء والأمن العام والهيئات الإقتصادية وميلشيات السلطة، بنبرة تهديد واضحة، متوعّدةً بأن الرد سيكون في مسيرة حاشدة نهار الأحد المقبل تنطلق عند الخامسة عصراً من جسر نهر بيروت – برج حمود مروراً بشركة سوكلين ثم شركة كهرباء لبنان لتنتهي في ساحة النجمة، أو بكلامٍ آخر في قلب بيروت، الذي اعلنته الهيئات الاقتصادية، امس، محمية للاغنياء لا مكان لاكثرية اللبنانيين فيه الا بوصفهم سياحا ومشترين للسلع الفاخرة.
«ما قبل 16 أيلول ليس كما بعده»، وفق ما ورد في بيان لجنة تنسيق حراك 29 آب، الذي تلته نضال أيوب، وهي من المعتقلات تعسفاً نهار الأربعاء على يد الأجهزة الأمنية.
المسيرة التي حدّدتها المجموعات لها رمزيّتها. يشرح عربي العنداري أنّ الإنطلاقة من برج حمود هي للتأكيد على أنّ «برج حمود ليست مزبلة»، وبالتالي لرفض إقامة مطمر هنا. تُكمل المسيرة الى سوكلين التي تمثّل رمزاً للفساد والتشبيك مع السلطة وهو ما أعلنه وزير الزراعة أكرم شهيب الذي تحدّث عن فساد في ملف النفايات عمره 20 عاماً وترمز الى التحاصص الحاصل بين أرباب السلطة. تصل المسيرة الى شركة كهرباء لبنان «رمز التخلف والفساد وعجز السلطة وفشلها»، لتنتهي أمام مجلس النواب في ساحة النجمة حيث يصب الفساد بأكمله.
ردّ الحراك على رواية الأمن العام الذي بثّ بيانات مفادها أنّه القى القبض على شخص ينتمي الى تنظيم «داعش» كان يخطط للانخراط في الحراك وإطلاق اهانات خلال الإعتصام ضد وزير الداخلية نهاد المشنوق، وكتابة عبارات نابية ومسيئة على ضريح الرئيس رفيق الحريري.
انعكس عنف
السلطة وخوفها إيجاباً على وحدة الحراك
اذ أعلنت المجموعات أنّ «هوية المعتقلين تفضح اكاذيب السلطة واعلامها الذي حاول اتهام الحراك بالتبعية والخيانة وتلقي التمويل الخارجي. ما حصل أمس خطط له على مدار الايام السابقة وبدا ذلك عبر تصريحات المسؤولين المطالبة بالتعاطي بحزم وصرامة لتمرير خطة شهيب المرفوضة وكذلك عبر اعلام السلطة الذي حاول شيطنة الحراك وتلفيق شائعات اختراقه من شبكات ارهابية بغرض التبرير المسبق للاعتداءات».
أعلنت المجموعات أن «حجم العنف أول من أمس كان غير مسبوق مقارنة بالاعتداءات السابقة ما يشير الى تفاقم أزمة النظام الخائف من تنامي الحراك واختراق القواعد الشعبية للأحزاب المسيطرة»، مدركةً أنّ «هناك قرارا واضحا من السلطة بانهاء الحراك ظهر عبرالتكامل العضوي والتنسيق العلني بين المؤسسات الامنية وميليشات أركان النظام». انعكس هذا الأمر إيجاباً على وحدة الحراك الذي وضع استراتيجية للتحركات المستقبلية. تجاوزت المجموعات جميع التباينات بينها معلنةً أنّ مواجهة هذه السلطة هي الأولوية وبالتالي على الحراك أن «يرقى الى مستوى المعركة المفتوحة التي بدأتها السلطة ضدنا. علينا تفعيل التنسيق الحقيقي والفعال بين مكونات الحوار واستعادة زمام المبادرة في مختلف المناطق».
ترجم الحراك خطابه بستة مطالب واضحة وحازمة على رأسها «إقالة وزير الداخلية نهاد المشنوق وفتح تحقيق مستقل وشفاف لمحاسبة كل من أعطى الاوامر وغطى ونفّذ الاعتداءات والانتهاكات بحق المتظاهرين من ضباط وجنود وعناصر ميلشيوية»، إضافة الى «حث مجموعات الحراك ولاسيما لجنة المحامين للدفاع عن المتظاهرين على اتخاذ الاجراءات القانونية المناسبة تمهيداً لمحاكمة المشنوق لانتهاكه اكثر من مرة حق التظاهر المكفول دستوراً». كذلك «الافراج الفوري عن كافة المعتقلين على خلفية تظاهرات 22, 23 و29 آب ووقف ملاحقتهم ووقف الإعتقالات التعسفية ووقف محاكمة المدنيين امام القضاء العسكري»، إذ لا يزال هناك 10 من معتقلي 22 و29 آب. و»اقالة وزير البيئة ومحاسبته على كارثة النفايات وفشله واهماله في تحمل مسؤولياته، فضلا عن تغطيته لفساد استمر 20 سنة وفق اقرار لجنة شهيب نفسها. وإعلان خطة طوارئ بيئية فورية للتعامل مع الكارثة البيئية التي نقبل عليها في فصل الشتاء، تتضمن اعلان حالة التأهب وفق قانون الدفاع المدني وتشغيل معامل الفرز بطاقتها الكاملة، متمسكين بملاحظاتنا على مقررات مجلس الوزراء الواردة في بيان 12 ايلول. المسارعة الى تحرير اموال البلديات والإتحادات من الصندوق البلدي المستقل تمكيناً لها من القيام بدورها في معالجة النفايات». وأخيراً «الدعوة الى انتخابات عاجلة تتضمن تمثيل جميع الفئات الاجتماعية على اختلافها من دون تمييز وتضمن للمواطن مشاركة حقيقية فيها بعيدا عن ادوات الاستزلام والاستقطاب الطائفي».
الصيغة التي خرجت بها المجموعات في ما يتعلق بموضوع الإنتخابات من حيث «تمثيل جميع الفئات الاجتماعية «، تضع الأمور في منظارها الفعلي ردا على موقف الهيئات الإقتصادية بالأمس التي رفضت حرفياً أن «يتحول وسط البلد الى أبو رخوصة»، فأتى الجواب من الحراك الشعبي بأن ختم البيان: «القوة والسلطة والثروة للشعب»!